من :  نادر ابو تامر

" ُمنتَخِبات ومنتَخَبات:
النساء والانتخابات المحلية"
المحامي علي حيدر

 بدأت  الساحة المحلية تشهد حراكاً لافتا،  استعداداً للانتخابات للسلطات المحلية في البلاد، بشكل عام، وفي المجتمع الفلسطيني في الداخل، بشكل خاص. وتطالعنا صحفنا العربية ومواقع الانترنيت، ووسائل التواصل الاجتماعي بوتيرة كبيرة، وبتغطية شاملة، حول  الاستعدادات والتحالفات والترشيح والانتخابات التمهيدية في كل بلدة وعائلة وحزب وقائمة، ولكن أحد المواضيع الهامة بقي شبه منسيّ ومغيَّب وغير حاضر في الحيّز العام بشكل جوهري، ألا وهو مشاركة النساء العربيات في الانتخابات، وكأن السلطة المحلية هي موضوع خوضُه مقصورٌ على الرجال فقط.

إن الحكم المحلي العربي يواجه تحديات وأزمات كثيرة ومزمنة تهدد كيانه ووجوده، وفي صلب هذه المعيقات السياسات الحكومية المميزة، والعنصرية الآخذة  بالازدياد. قلة الميزانيات، المعايير البيروقراطية التمييزية، بالإضافة إلى ذلك فإن العديد من الخدمات التي تقدمها السلطات المحلية، والمؤسسات التي تمتلكها قد خُصّصت في السنوات الأخيرة، وخرجت من نفوذ السلطات المحلية( اتحادات المياه وشركات الجباية وبعض المؤسسات التربوية..الخ)، يجب الإشارة، أيضاً إلى أن بعض السلطات المحلية العربية قد دمجت ، وقد أثبتت عملية الدمج فشل الفكرة وأدّت إلى تراجع السلطات المحلية العربية عدة سنوات إلى الوراء( منطقة الشاغور والكرمل على سبيل المثال لا الحصر).

إن مجتمعنا العربي يعاني العديد من الأزمات التي لا مجال لذكرها جميعاً في هذا السياق وخصوصاً في مجال انهيار القيم، وانتشار العنف والسلاح، وهدم المنازل وتردّي مستوى التعليم، وقلة فرص العمل وازدياد البطالة واتساع الفجوات بين العرب واليهود وتردي البنى التحتية، وضعف وإهمال الحيّز العام، والفقر وتخلي المثقفين العرب عن دورهم النهضوي والتوعوي والفعال.

إن المتأمل في الاستعدادات للانتخابات وفي تمثيل النساء العربيات فيهن يستطيع الملاحظة، وبسهولة، تغيّب وتغييب دور النساء العربيات كمشاركات، إما كمرشحات للرئاسة أو للعضوية، في أماكن متقدمة. هنالك عدة أسباب لهذه الظاهرة منها: المبنى الاجتماعي الأبوي (الذي يقصي الشباب أيضاً)، استمرار هيمنة الهويات العائلية والطائفية كأطر ممثلة، ضعف الأحزاب والحركات السياسية، وتقبلها وتفاعلها مع المباني الاجتماعية القائمة وأحياناً استثمارها، هنالك عوامل عنيفة تأخذ دوراً فعالاً في العمليات الانتخابية في العديد من البلدات العربية، كما أن رئيس السلطة هو أحياناً محط تهديدات، مما يجعل العديد من النساء العربيات ينأين بأنفسهن عن هذا النشاط.

من المعطيات المتوفرة في موقع الانتيرنيت  "بلديات_مكوميوت" والذي أشهر في الايام الاخيرة يتضح ان 13% من اعضاء وعضوات السلطات المحلية في البلاد هن نساء. في حين ان حوالي 100 سلطة محلية لا يوجد بها اي تمثيل نسائي. اضف الى ذلك، 2 % من رؤساء السلطات المحلية في البلاد هن نساء( 6 نساء فقط). وذلك من بين 236 سلطة محلية في البلاد. 

أما في ما يخص المجتمع العربي فالمعطيات أكثر قسوة وصعوبة. فنسبة التمثيل النسائي لا تتهدى 1%( 0.07% ؛ عشر نساء عربيات فقط من حوالي 960 عضوا في  77 سلطة محلية عربية). ولا يوجد اي رئيسة عربية. بخلاف النساء الفلسطينينات في الضفة اللاواتي نجحن في ترأس عدد من السلطات المحلية والمحافظات والبلديات فرئيسة بلدية بيت لحم امراءة ومحافظة رام الله امراءة فرغم وجودهن تحت احتلال فقد نجحن في الوصول الى مواقع مهمه؛ بالرغم من هنالك ايضا ما يزال ضرورة للعمل الجدي. 

 

باعتقادي، هنالك أهمية كبيرة لتقوية الحكم المحلي العربي، كمؤسسة منتخبة من قبل المواطنين، من أجل التعاطي مع التحديات الكبيرة، كما يجب معالجة الأزمات العامة التي يواجهها المجتمع الفلسطيني وفي أساسها خلق وتطوير قيادة جماعية ومؤسسات جماعية فاعلة وقوية وذات رؤيا شاملة وتطلعات نهضوية ولن يحدث هذا كله إلا إذا تمّت مشاركة مجموعة النساء مشاركة فعّالة وشاملة، فالمشاركة هي حق لهن وواجب عليهن كعنصر متساوٍ في المجتمع، وعلى الأحزاب السياسية بصفتها الأكثر تنظيماً وموارد أن تقود هذه المسيرة وأن تضمن تمثيلاً جيداً للنساء.

من بين نقاط الضوء التي يجب الإشارة إليها في هذا السياق هي الازدياد الكبير في نسبة النساء العربيات المتعلمات والمثقفات، وذوات القدرات والكفاءات واللواتي باستطاعتهن أخذ دور فعّال والمشاركة في الانتخابات. كما أن العديد من مؤسسات المجتمع المدني قد أهلت ودعمت العديد من النساء للمشاركة في الانتخابات، وهنالك شريحة واسعة من النساء يمكن أن يخضن الانتخابات وهن جديرات بذلك وباستطاعتهن تقديم وجهات نظر مختلفة وشرعية حول مجمل القضايا التي يواجهها مجتمعنا.

إن المتأمل في  مسيرة النضال الفلسطيني يستطيع أن يرى بأن النساء لعبن دوراً مركزياً وهاماً رغم انتمائهن إلى مشارب فكرية وتنظيمية مختلفة مما ساهم في تحقيق النجاحات.


 من الأفضل أن تحصل النساء على تمثيل لائق دون تدخّل البرلمان، أو وضع "نظم الكوتا" في الأحزاب، ولكن ما دام الوضع سيئاً جداً فمن الضروري أن يتدخل البرلمان لضمان نسبة مشاركة النساء في الانتخابات للسلطات المحلية، كما فعلت العديد من الدول الديمقراطية، وفي المقابل، يجب على النساء ألا ينتظرن قدوم التغيير وأن يأخذن زمام المبادرة وأن يضعن أنفسهن في مركز الساحة السياسية، وعندها لا يمكن تجاهلهن وتغيبهن.

يجب اعتبار شهر  آذار، ( يوم المرأة العالميّ؛ يوم الام؛ الربيع؛ يوم الارض)، فرصة ومحفزًا للتفكير والعمل على تحقيق حقوق النساء الفلسطينيات، وزيادة الوعي لقضاياهن، وتأكيد مشاركتهن في عملية اتخاذ القرارات سواء على المستوى القطريّ أو على المستوى المحليّ، أو على مستوى الهيئات التمثيلية للمجتمع العربيّ وسواء كنّ عاملاتٍ في القطاع العامّ أو في القطاع الخاصّ. إن التغيير لا يمكن أن يكون تلقائيًّا، أو عفويًّا، بل جميعنا مدعوون لأخذ دورنا، وكلّ من موقعه للمساهمة، والمبادرة والاجتهاد لإحداثه.
 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع الملتقى بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير نأمل ان تعجبكم