بسم الله الرّحمن الرّحيم

إخواني أبناء الطّائفة الدّرزيّة في كلّ مكان،

السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

في مثل هذه الأيّام، نستقبل وإيّاكم عيد الأضحى المبارك، والّذي يطلّ علينا كما في كلّ عام، حاملاً معه نسائمَ الجمع والتّكاتف، نهجًا أخلاقيًّا متوارثًا، نتناقله منذ قديم الزّمان، عامًا تلو عام.

ها هو الأضحى يُطلُّ على بساط الرحمة والنعمة، موقِظًا فينا معانيه السامية الجليلة، ومذّكرًا إّيانا بالواجب المقدّس الملقى على عاتقنا نحنُ البشر، ألا وهو التّضحية، الّتي قامت بها المجتمعات وتطوّرت بفضلها الشّعوب، في حين يسعى كلٌّ منّا ليضحّي ممّا أوتيه فضلاً، من أجل تقدّم المجتمع ودعم المصلحة العامّة.

لا يخفى على أحد أنّ عيد الأضحى لم يكن يومًا كغيره من الأعياد، إذ كان ولا يزال حاملًا لرسائل أخلاقيّة إنسانيّة عُليا، وبابًا لدخول الإنسان من أبواب الفضيلة والعودة إلى الله، حيث يطلّ علينا بعد ليالي العشر المباركة، الّتي تزهو فيها المجالس بالصّلوات، وتعودُ فيها النّفوس إلى ربّها راضيةً مرضيّة، موقنةً بفضل الجدّ والاجتهاد في سبيل الآخرة الباقية وترك الدّنيا الفانية، ومجدّدةً قبولها للرّسالة الإلهيّة الّتي وُلد كلّ إنسان منّا من أجل أدائها، مستذكرين أنّ العيد لم يكن يومًا في لبس الجديد، وإنّما في فعل الصّالحات والنّجاة يومَ الوعيد.

للمرّة الأولى منذ عقودٍ على إحياء مراسم العيد، أتانا هذا العيدُ مصحوبًا بغصّةٍ في ظلّ انتشار وباء الكورونا المقيت، الّذي أغلق أبوابَ بيوتِ العبادة وزعزع استقرار دول العالم أجمع، محتّمًا علينا أن نلغي مراسمَ الصّلوات والمعايدات لهذه السّنة، حِرصًا على صحّة المجتمع، وحفاظًا على سلامة المصّلين، مُكتَفينَ بطاعات القلوب والضّمائر، وبالأجر المأمول بعد الصّبر الجميل.

إخواني وأخواتي، ممّا لا اختلاف عليه أنّ هذه الأزمة الصّحيّة العالميّة أرخت سوادها على مناحي كثيرة من الحياة، في حين كثرت في الآونة الأخير أعداد المصابين في قرانا وبلداتنا، وشهدنا تقييداتٍ كثيرة أثّرت على جداول أعمالنا، وأجبرتنا على تغيير عاداتنا ونهج حياتنا دون سابق إنذار. ولكنّها في نفس الوقت، لمن أيقن وأبصر وتعلّم، حملت لنا درسًا وحكمةً وعبرةً، وأعادتنا بعد طول انقطاع وضياع إلى حضن العائلة، والاعتراف بضعف الأفهام عن قدرة الخالق عزّ وجلّ.

في هذه المناسبة، نتوجّه إليكم جمعًا أيّها الأهل الكرام، لنقضي هذا العيدَ في زياراتٍ نحملُ معها المحبّة ونوزّعها بين البيوت، وفي طيّ لصفحات الماضي، وتصفية للقلوبِ من الضّغينة والمشاحنات والاختلاف في المواقف والأفكار، والامتناع عن استعمال العنف والمفرقعات، أو التّغافل عن أوضاع عائلات كثيرةٍ فقدت عزيزًا ولم يُكتب لها هذا العام أن تفرح، لنحافظ بهذا على أواصر التّماسك والوحدة والأخوّة، كمجتمع واحدٍ متكاملٍ، تجمعه ذات الثّوابت الإنسانيّة، والمــُثُل الأخلاقيّة، والهويّة المعروفيّة التّوحيديّة.

تعالوا في هذا العيد، نقدّم التّضحية الأهمّ الّتي فرضتها الأحداث علينا، محافظين على التّقييدات والتّعليمات المطلوبة، وساعين بكلّ ما أوتينا من طاقة من أجل الاجتماع على الكلمة الواحدة ووحدة الصّفوف، وحفظ إرثنا التّاريخيّ التّوحيديّ وتراثنا المعروفيّ، الّذي يجب أن نرعاهُ ونحافظَ عليه لنربّي جيلًا موحّدًا واعدًا، يحترم تاريخَه ويسعى إلى جعل الماضي منارًا للحاضر والمستقبل، إلى جانب صون الهويّة الدّرزيّة المميّزة، الّتي نفتخر بها كلَّ افتخار.

في الختام، نبتهل الى الله عزّ وجلّ أن يوفّق أبناء طائفتنا الدّرزيّة العزيزة أينما كانوا وأينما حلّوا، وأن يعودَ علينا عيدُ الأضحى في العام المقبل، وقد وفّقنا الحظّ بلقاء إخواننا أبناء الطّائفة من سوريا، ولبنان، والأردن والجاليات، وهم يعيشون في أمنٍ وسلامٍ ومحبّةٍ واستقرار.

كذلك، نجدّد مناشدتنا بوحدة الكلمة، وحفظ الأمة، والابتعاد عن الخلافات والتوتّرات، حفاظا على مصلحة الطائفة وأبنائها، لنعطي بالفعل لا بالقول درسًا تاريخيًّا وجوابًا واضحًا جليًّا لكلّ من يسأل عن طائفة بني معروف وعن شيم أهلها.

ندعو الله تبارك وتعالى ببركة هذا العيد المبارك، أن يحلّ السّلام وينقشعُ عن شرقنا الحبيب والعالم غمامُ الحروب، هناكَ حيث تجتمعُ الأمم كافّةً على المحبّة رغم كلّ اختلاف، ونعود لنلتقي تحت جناح الأمن والصّحة وهدأة البال.

كذلك لا بدّ من معايدةٍ صادقةٍ، نوجّهها في هذه المناسبة لأبناء الطّائفة الإسلاميّة في البلاد، وفي كلّ مكان، راجين للجميع عيدًا سعيدًا أضحى مبارك، وكلّ عام وأنتم بألف خير!

أخوكم

الشّيخ موفق طريف

الرّئيس الرّوحي للطّائفة الدّرزيّة

رئيس المجلس الدّينيّ الدّرزيّ الأعلى

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع الملتقى بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير نأمل ان تعجبكم