في السيرة الذاتية للشاعر د.اياس يوسف ناصر

 


كتب: شاكر فريد حسن
اياس ناصر صوت شعري جميل وعذب قادم من أعالي الجليل، والده الشاعر الأديب والمربي المعروف عاشق لغة الضاد يوسف نعمان ناصر. ولد في بلدة كفر سميع العام 1984، أنهى دراسته في المرحلة الابتدائية بقريته، والثانوية في ترشيحا، التحق بالجامعة العبرية بالقدس وحصل على الشهادات الاكاديمية بامتياز، وكان موضوع اطروحته للدكتوراه ” النسيب في الشعر العربي القديم “.
يشغل اياس ناصر محاضرًا في الجامعة العبرية للشعر العربي القديم، وبحوزته جوائز على تفوقه الاكاديمي.
شغف اياس بالقراءة والكتابة منذ نعومة اظفاره، ونشر العديد من قصائده في عدد من الصحف والدوريات الثقافية. صدر له مجموعتان شعريتان، هما: ” قمح في كف أنثى” عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت عام 2015، و” قبلة بكامل شهرزادها ” عن منشورات الأفق للثقافة والفنون في حيفا عام 2015، وديوانه الثالث قيد النشر.
تنصب موضوعاته وتتمحور حول الوطن والأرض والمكان الفلسطيني والانتماء الوطني وقضية المرأة واضطهادها وقتلها على خلفية ما يسمى بـ ” شرف العائلة “، وغيرها من العناوين والمضامين والموضوعات الوجدانية والعاطفية والسياسية والاجتماعية. وهو يرى في الحب قيمة كبرى، والجامع الأكبر بين الرجل والأنثى، وبين الإنسان والإنسان.
تتميز قصائد اياس ناصر برهافة الحس الوجداني والوطني الصادق الثاقب، والعاطفة المتفجرة، والرؤيا العميقة، والأناقة اللغوية، وتدفق الكلمات والتعابير بشفافية جميلة، واللغة السليمة الرشيقة المنسابة بالغة الروعة والعذوبة، والأسلوب السلس الممتنع، والايقاع الموسيقي شجي اللحن والجرس، وصوره متباينة الألوان، تخلو من الابتذال والحشو اللغوي والرتابة.
يقول الناقد د.منير توما عن شعره: ” قصائد اياس ناصر تشكّل مجموعة لحنية أو مقطوعات من سمفونية جميلة تنتقل الى ذات السامع أو القارئ، مع ما تحتضنه من المعاني والألفاظ، توقظ فيه حالة شعورية حسّية متجاوبة تمتاز بحقائق جمالية بطريقة شمولية تؤطِّر لطاقة تعبيرية رفيعة المستوى تفيضُ بغزلٍ وحبٍ وعشقٍ يتشح بالجمال فكرًا وعاطفةً ومرمى وكأنّه لوحة فنيّة رسمت بالكلمات المتوهجة بالأقمار والطيوب والأزهار، فنحن لا نلمس في شعر الحب والغزل هذا عند إياس غير الشفافية الفوّاحة، وتطلعات عشق المفاتن في الحبيب “.
نماذج من شعره:
أشتاقُها. يا ويلُ. كم اشتاقُها
إنّي أذوق الحبَّ حيث مذاقُها!
عربيةٌ. والكحلُ يرسمُ نفسَهُ
وإذا تثـنّتْ. يرتمي درّاقُها
إنّي سمعتُ رنينَ قلبي حينما
جاءت بخلخالٍ. وغنّت ساقُها
وتجمّعتْ أجزاءُ عمري عندما
عانقتُها شوقًا. فلذَّ عناقُها!
ونظرتُ في فمها المدوّرِ وردةً
فتفتّحَتْ عن قُبلةٍ أوراقُها
ونظرتُ في عينينِ. أعرفُ أنّني
منذُ التقينا. مسكني أحداقُها
شفةٌ كعصفورٍ. يزقزقُ لونُها
فيفيقُ في نهرِ النّدى برّاقُها
يا حلوةً. يا سكّرًا. يا ليلكًا
يا فوق كلِّ المفرداتِ سياقُها
هل للمعاجمِ أيُّ قولٍ في التي
أعيا البلاغةَ في الجمالِ نطاقُها؟
وفي قصيدة غزلية أخرى موشحة وطافحة بالإيحاءات والاستعارات، يقول:
من أين تبتدئُ الأنوثةُ يا تُرى؟
من وجهها؟ من كحلِها؟ ما أجهلكْ!
في كلِّ شبرٍ. ألفُ لغمٍ للهوى
فارأفْ بنفسِكَ. ليس يرجعُ من هَلَكْ!
شفتانِ غارقتانِ في عسلَيهما
ونوارسُ النهدينِ. تصدحُ في الفلَكْ
وعليهما نافورتانِ كحربةٍ
في الدّرب قد وقفتْ لتطعنَ مَن سَلَكْ!
سارت إليَّ. واسقطتْ فستانَها
فتطايرتْ فوقي النيازكُ في الحَلَكْ
بل أفرغتْ كلَّ الأنوثةِ في فمي
وتفوّهت: ” إني أُحبُّ مُقـبَّلـَكْ ”
” أشعل فتيلَ الحُبِّ في أعماقنا
مرِّر على كل الحدائقِ أنمُلَـكْ!
” وابذُرْ عليَّ. بذورَ قمحِكَ كلَّها
وابعث الى حقلِ السنابلِ مِنجَلَكْ ”
” لم يبقَ في هذا الوجودِ مساحةٌ
إلّا لتبنيَ. فوق صدري منزَلَكْ “.
وفي قصيدته الأخيرة التي يتناول فيها استشراء العنف في مجتمعنا العربي، ونشرت في عدد من الصحف والمواقع وشبكات التواصل الاجتماعي، يتساءل بكل الألم والأسى قائلًا:
مَنِ التّالي؟
يقولُ النّاسُ في وطني
مَنِ التّالي؟
مَنِ المقتولُ والمذبوحُ
والمطعونُ والمجروحُ
في يافا وفي الرّملهْ.
وفي عكّا وفي باقهْ.
وفي وطنٍ
تحوّلَ دون أن ندري
لمذبحةٍ وأدغالِ.
مَنِ التّالي؟
وذئبُ القتلِ
يسرحُ في شوارعِنا
ويجلسُ في مقاهينا
ويشربُ نَخْبَهُ دمَنا
ويَسفَحُ ألفَ شلّالٍ وشلّالِ!
مَنِ التّالي؟
جرائدُنا
تودّعُ كلَّ مغدورٍ
بشيءٍ عاجلٍ وخبرْ!
ولا ندري عن الأنذالِ
شيئًا واحدًا وخبرْ!
ويكتبُ قائدُ التّحقيقِ
أنّ الجرمَ مجهولٌ.
وأنّ القاتلَيْنِ الجانيَيْنِ
هما القضاءُ مع القدرْ!
ونعرفُ أنّهم صَنَعوا
لنا هذا القضاءَ
وأنزلوا هذا القدرْ!
فمن أين السّلاحْ؟
من أين جاءت هذه الأشباحْ؟
ومَنْ حقًّا يبالي؟
إنْ صَرَخْنا.
إنْ هَتَفْنا قائلينَ لهم
مَنِ التّالي؟
وزيرُ الأمنِ يشربُ
كوبَ قهوتِهِ الصّباحيّهْ،
وزيرٌ آخرٌ ينوي زيارةَ
معملِ التّفاحِ
في الأرضِ الشّماليّهْ،
وتَكبُرُ في قرانا
لعبةُ الأشباحْ.
ويجري دمعُنا المنسيُّ
مِنْ نافورةِ الأرواحْ.
فكيفَ غَدَتْ دماءُ شبابِنا
شيئًا رخيصًا أو مُباحْ!
***
فيا شعبي تظاهرْ
أينما كُنْتَا.
هتافاتٌ. نداءاتٌ.
تهزُّ الموتَ والصّمتا.
مَنِ التّالي بأوطاني؟
فلانٌ. ربّما أنْتَا!
سنُغْلِقُ كلَّ مقبرةٍ
ونَقتُلُ بالحياةِ القتلَ والموتَا!
تظاهرْ أينما كُنْتَا!
تظاهرْ في الشّوارعِ
والمفارقِ والمنابرِ
في الجليلِ وفي المثلّثْ.
مَزِّقِ الأكفانَ
واخرُجْ من كهوفِ الصّمتِ
واجعلْ سوطَكَ الصّوتا!
لنا بيتٌ سنحميهِ،
لنا جيلٌ نربّيهِ،
لنا ولدٌ سنعطيهِ
طموحَ الشّمسِ لا المَوْتا.
لنا زيتونةٌ بَقِيَتْ
تَصُبُّ برغمِ نكبتِنا
صدى أجدادِنا زيتَا
لنا وطنٌ. لنا بيتٌ
ولن نرضى هنا أبدًا
بأنْ يأتيكَ يا وطني
خرابٌ يَأكلُ البَيْتا!
أجمل التحيات والأمنيات للصديق الشاعر د.اياس ناصر، وله دوام العطاء والإبداع والمزيد من التألق. .

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع الملتقى بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير نأمل ان تعجبكم