بقلم: شهربان معدي

شابٌ يافع خطَّ شاربه حديثا فتنكَّب فَأسَهُ، وانطْلَقَ مرفوع الجبين يرمَحُ كغزالِ على سَفْحِ “حيدر”. قَبَضَ على حَفْنَةٍ تُرابٍ انصهرت بين أنامله كالحرير؛ ثم نثرها في فضاء رحب لتتَحوّلَ إلى  خميرة حب، ورائحة ألطف من شذا الفردوس.

وتتحوّل الفَأسُ في ساعد لا يعرف الوهن..؟ إلى يراعٍ يُنَقِّبُ في قلب الورق.. حينما وُلِدًت أوّلُ قصيدةٍ له لتحفُرَ في وجدانِ الوطن، وترافق الأحرار على مساحة أرض العرب.. غابةَ من الكرامة وشَجَرة زيتون تعَمِّرُ في مدى الزمن.

منتصب القامة أمشي مرفوع الهامة أمشي

في كفي قصفة زيتون وعلى كتفي نعشي

وأنا أمشي وأنا أمشي

قلبي قمر أحمر قلبي بستان

فيه.. فيه العوسج فيه الريحان

شفتاي سماء تمطر نارا حينا.. حبًا أحيان

في كفي قصفة زيتون وعلى كتفي نعشي

وأنا أمشي وأنا أمشي

كلماتُهُ المشتعلة المضيئةُ انْدَفَعت كنهرِ هادرٍ، كان الشاعر مَنْبَعهُ وَمَصبّهُ مياهَهُ ومَجْراهُ. أضاءَ في جَرَيانِهِ حُلُمًا بعيدًا يُنادي بالسّلام؛ وحبَّ الوطنِ وعدمِ انتهاكِ حقوقِ الإنسان.

لم يتَرَجَّلِ الفارسُ عن صهوة الكلمات فأسْرَجَ حِصانَهُ، وانطَلَقَ كالسّهم يلامس شِعْرُهُ  الريح فيومض ويضيء. تَسلَّقَ جبالَ الجرمقِ وجَعَلَ بَرْقوقَه َوزعْتَرَه يرتّلان مَعَهُ القَصائد. مرّ بزيتونِ الجليلٍ فَعَلا صوته بالنشيد. صَعَد إلى مرتفعاتٍ الجولانِ فَازهَرَت مع تُفّاحِهٍ أحلام الشعراء. ثم انَّحَدَر إلى جبالِ الكرملِ فأينعت قصائده سنديانا وروحا وعبقا من الريحانِ.

 وحينما عَرّج على بيّاراتِ يافا..؟ أنشد ليمونُها وبرتُقالُها برفقتِهِ القصائدَ. ولمَّا تَوَجّه إلى عسقلان دمعت عيناه مع أَطفالِها وشيوخٍها في المراثي والأحزان. فارقُد ْبسلامٍ أيّها الكبيرُ الذي جَعَلتَ وطنًا بأكملِهٍ يغني معكَ القصائدَ.

قصائِدُكَ الثّوريةُ الوجدانيّةُ، وُلِدَت من حَبّة مَطرٍ سَقَطَت على أرضِنا اليَباب! من دمعةِ شيّخٍ  يَبتَهلُ لله، من صلاةِ أُمِ رَفَعت يَديْها للسّماءٍ، من نُقطةِ عَرَقٍ انسابَتْ على جبينِ فلاّحٍ وجُبلت مع أغلى ترابِ. وداعًا يا سيد الحرف وفارسَ الكلمةِ. أنتَ لم تأتِ إلينا باختراعٍ  فريد أو اكتشافٍ مثيرٍ، ولكنّك نَثَرتَ عَلَيْنا خطابا ساحرا، وأيقظت فينا الجذور وحُبَّ الأرضٍ والوطن.

وداعًا يا من علّمتَنا أنَّ الوطن ليسَ مسكنًا بل هو روحًا وانتماءً وعطاء. الوطنُ الذي حَمَلْتَهُ طفلاً بين يَدَيْكَ؛ كَبُرتَ وكبُرَ معكَ.. فلطالما مَسَدْتَ لَهُ شَعْرَهُ وربّتَ على كتفيه؛ ولطالما اجّلَسْتهُ على رُكبتيْكَ ودَلّلْتَه وَهَدْهدتَ لهُ، وضَمّدتَ له الجراح بعبقِ حروفكَ المُعطّرةٍ بالميرميّة والفيّجنّ، ومَسَحتَ بمنديلكَ النديّ عن مآقيه دموع الأنبياء.

 فلمن تَركتَنا يتامى يا أبا الوطن!؟ هذا الوطنُ الجريحُ هو بأمسّ الحاجةِ إليكَ. لو بكيْناك دمًا لما استوفيت حقُّك منا..! وداعًا أيها المعلّمُ الكبير. وداعًا يا قلب الوطنٍ.. يا رَجلُاً عاشَ محمومًا بِعشقِ التراب وماتَ عظيما شامخا بروح الوطنِ.

كلمات: سميح القاسم

غناء: ريم البنا

أحكي للعالم أحكي له

عن بيت كسروا قنديله

عن فأس قتلت زنبقة

وحريق أوْدى بجديل

أحكي عن شاة لم تحلب

عن عجنة أم ما خبزت

عن سقف طينيّ أعشب

أحكي للعالم أحكي له

يا بنت الجار المنسية

الدمية عندي محمية

الدمية عندي فتعالي

في باص الريح الشرقية

حنا لا أذكر قسماتك

لكني أشقى كي أذكر

في قلبي خفقة خطواتك

عصفور يدرج او ينقر

كنّا ما أجمل ما كنا

يا بنت الجار و يا حنا

كنا فلماذا أعيننا

صارت بالغربة مجبولة

ولماذا صارت أيدينا

بحبال اللعنة مجدولة

أحكي للعالم أحكي له

عن بيت كسروا قنديله

عن فأس قتلت زنبقة

و حريق أوْدى بجديلة..

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع الملتقى بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير نأمل ان تعجبكم