فيالق الاعلام المأجور في لبنان أخطر من أي سلاح كان
زياد شليوط
رسم الأديب جبران خليل جبران أربع وظائف للصحافة وهي نقل الاخبار والوقوف الى جانب "مبدأ من المباديء الوطنية أو العمرانية أو السياسية أو الأدبية" والثالثة ان تكون "المدعي العمومي" والرابعة مدرسة للشعب. ولو كان جبران اليوم حيا لكفر بالصحافة اللبنانية ووظائفها، التي لم تبتعد كثيرا عن الأهداف التي رسمها فحسب، بل باتت تشكل نقيضا لها. ومن يتابع المشهد الإعلامي اللبناني في السنوات الأخيرة يدرك ما نذهب اليه ونقصده. وكلنا يعلم ويرى عدد المحطات الفضائية المبالغ به في لبنان، وهذا يعود الى أن كل محطة فضائية تتبع حزبا سياسيا وتعمل وفق أجندته، إلى جانب المواقع الألكترونية ووسائل التواصل "السياسي"، إضافة الى الصحف والمجلات، ويكفي أن تعلم أن عدد الصحف اليومية في سبعينات القرن الماضي، وصل الى ما يزيد عن 60 صحيفة، ناهيك عن الصحف الأسبوعية والمجلات، قبل أن يحل عصر الفضائيات.
والمؤسف في الأمر أن منابر الاعلام اللبناني لا تختلف عن الأحزاب السياسية التي تتبع لها، ولا تجرؤ على اتخاذ خط سير اعلامي يقارب الموضوعية. وعلى عكس الاعلام الإسرائيلي المتعدد والناقد لكنه عند الملمات والأزمات والمعارك الخارجية نجنده ينسى دوره ويتجاهل الخلافات الداخلية، ويصطف كفيلق عسكري خلف قيادته السياسية أيا كانت، ويتجند للمعركة ويتحول الى بوق للسلطة. وكان من المتوقع من الاعلام اللبناني المتعدد والمتشعب، أن يتوحد ويقف وقفة منبر واحدة خلف دولته على الأقل (وليس حكومته)، بعد تفجير مرفأ بيروت الرهيب، وأن ينزل الى الشعب ويعيش مع الناس. بدلا من ذلك خاضت منابر الاعلام الحزبية حربا ضروسا بينها، ضاربة عرض الحائط بالمهام الإعلامية الملقاة عليها في مأساة كبيرة، بحجم المأساة التي ضربت لبنان كل لبنان. وبالتأكيد فان هذه الحالة الإعلامية العبثية التي دعت الإعلامي اللبناني المعروف سامي كليب الى القول، وقد صدق فيما قاله: " صار الاعلام في ذلك فتنويا، يساهم في تعزيز مشاعر الحقد والكراهية، ويدفع الى التطرف والعنف وصولا الى الإرهاب."
وعلى سبيل المثال، وصل الأمر بمراسلة القناة التابعة للقوات (سمير جعجع) أن تشتكي للرئيس الفرنسي في مؤتمرهالصحفي في بيروت، منع طاقم التلفزيون الدخول للقصر الرئاسي، لكنها لم تذكر له بالمقابل تهجمات محطتها الرخيصة والإساءة للرئيس ميشيل عون بكل وقاحة في القناة نفسها وتوجيه اتهامات باطلة له. وفي هذا تكون تلك المحطة وزميلاتها التقت مع اعلام معاد للرئيس ولدولة لبنان وهو الاعلام الإسرائيلي، الذي تناول حادث تفجير بيروت وما تلاه من تداعيات، وكان واضحا مدى شعور التشفي والاستهزاء لدى المذيعين والمحللين، من خلال تعليقاتهم السمجة وضحكاتهم الوقحة بدون خجل. كانوا مسرورين لأن الانفجار أبعد الخطر عن الحدود الشمالية. كانوا مغبوطين لتراجع قوة حزب الله وخروج تظاهرات ضده.. كانوا مستهزئين بالرئيس اللبناني ميشيل عون ومواقفه واعتبروه "دمية" عند حزب الله.. لم يتحدثوا صحافة واعلام، بل تحدثوا من منطلق طرف صاحب مصلحة في لبنان ومستفيد أول من الانفجار الذي حصل في بيروت.. عندما تسمع هذا الاعلام الموجه تعرف أين يجب أن تكون بوصلتك.
فتلك المنابر الإعلامية تخدم أجندة خارجية وتعمل لمصالح خارجية على حساب لبنان، وتجدهم جميعهم يتغنون بلبنان ويمجدون الوطن علنا، بينما هم يطعنون جسده يوميا من خلال ما يبثونه ويتفوهون به. فكيف لا يكون جبران حزينا وقد تحول مبدأ اتباع مبدأ وطني الى اتباع مبدأ مالي وبدل أن تكون "مددي عمومي" تحولت الى مدعي خاص ومأجور، وبدل أن تكون "مدرسة للشعب" صارت مدرسة للشغب وتضليل الشعب. فتحول الاعلام اللبناني بفضائياته ووسائله الأخرى " من المهمة الأخلاقية الأولى للصحافي بضرورة ان "يُعلِمَ" ويشرح ويحافظ على نسبة عالية من الموضوعية ويستمع الى كل الآراء، الى مهمة الناشط السياسي أو البوق الناطق باسم دولة او حزب او تيار أو رجل أعمال وغيرهم"، كما قال سامي كليب.
في الخلاصة قبل أن يطالب المغرضون والمضللون بنزع سلاح المقاومة وحزب الله، عليهم المطالبة والسعي الى نزع السلاح الإعلامي للأحزاب اللبنانية، والذي لا يقل خطورة عن سلاح المقاومة، بل انه أشد فتكا وتدميرا للدولة اللبنانية والمجتمع اللبناني من أي سلاح آخر.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع الملتقى بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير نأمل ان تعجبكم