محمّد نفّاع: الرّمزُ الصّامدُ والماجدُ والخالدُ

تَبكيكَ مبادئُ الطّريقِ التي استندَتْ إلى قامتِكَ وصلابتِكَ وثباتِكَ. والطّريقُ واسعةٌ، وعريّةٌ، صخريّةٌ، رمليّةٌ، وحليّةٌ، مُلتويّةٌ، مُرتفعةٌ، مُنحدرةٌ، وأنت فيها مَعْلمٌ بارزٌ للسّائرينَ المكافحينَ العنيدينَ. تَبكيكَ حُمرةُ الرّايةِ يَضرِبُ صداها المُرفرفُ في نفوسِ الجموعِ الحاشدةِ في الميادينِ. يَبكيكَ المَنبرُ الذي تركتَهُ على صوتِكَ الجهوريِّ يتحسّرُ، قلّةٌ استطاعوا ترويضَ جُموحِهِ وعنفوانِهِ وكبريائِهِ، وعندما امتطيتَهُ وأمسكتَ بناصيتِهِ وانطلقتَ، ترجّلتَ، يا فارسَ المنابرِ.

يَبكيكَ أبناءُ الكادحينَ الواثقينَ، وشبيبةُ المناضلينَ الطّموحينَ، والنّساءُ الواعياتُ المتحرّراتُ، والرّجالُ الصّامدونَ على أرضِ الآباءِ والأجدادِ، والأبناءِ والأحفادِ. تَبكيكَ الجُموعُ الهاتفةُ والأفرادُ الصّامتةُ. يَبكيكَ الحزبُ فكرًا وتنظيمًا وسياسةً، تاريخًا وحاضرًا ومستقبلًا، موقفًا صادقًا نقيًّا مُستقلًا.

تَبكيكَ بيت جن وعكا، السّموعي والسَّمّوعُ، الجليلُ والخليلُ. يَبكيكَ الحسُّونُ والحَجَلُ والتّركمانُ والبلبلُ. يَبكيكَ البُطْمُ، والخَرّوبُ والتّوتُ. يَبكيكَ الجُعساسُ والفيجنُ والزّعترُ والزّوفا. يبكيكَ السُّمّاقُ "يَتعربشُ" على السّناسلِ، والأرضُ المفروشةُ تحتَ حِمْلِ السّنابلِ. يَبكيكَ الجرمقُ، وأبناءُ عمِّهِ الشَّبابُ في الشّاغورِ. تَبكيكَ الوديانُ غيرَ آبهةٍ باندفاعِ السّيلِ فأنتَ فيها حجارةُ الوادي تتبدّلُ السّيولُ، وهي باقيةٌ.

تَبكيكَ "الأصيلةُ"، و "وديّةُ"، و "ريحُ الشّمالِ"، و "كوشانُ"، و "وأنفاسُ الجليلِ"، و "التّفّاحةُ النّهريّةُ"، و "فاطمةُ"، و "غبارُ الثّلجِ"، و "جبالُ الرّيحِ"، ورواياتُ لم تكتملْ، ولم تُكتبْ بعدُ، وسيرةُ حياةٍ متواصلةٍ لا تحيطُ بأحداثِها وشخصيّاتِها وزمانِها ومكانِها وبدايتِها ونهايتِها وعُقدتِها وصراعِها وحلِّها صفحاتُ كتابٍ.

تَبكيكَ صحيفةُ "الاتّحادِ"، أيُّها المحرّرُ والصحفيُّ والكاتبُ والمحرِّرُ المسؤولُ، أيُّها المُعلِّمُ والمَرجِعُ والموجِّهُ، يا منارةَ المُبحرينَ، و "نجمَ سهيل" لراكبي السّفينَ في وَحشَةِ الصّحراءِ، أيُّها البدرُ الذي نفتقدُهُ في اللّيلةِ الظّلماءِ. تَبكيكَ صفحاتُ الجريدةِ التي حملَتْ أحرفَ قصصِكَ ورواياتِكَ، مقالاتِكَ وأرائِكَ، دفاعِكَ عن مبادئِكَ وعن مواقفِ حزبِكَ، اعتزازِكَ بقوميّتِكَ ولغتِكَ العربيّةِ الجميلةِ، ورفعِكَ لشأنِ لغتِكَ المحكيَّةِ على لسانِ أصحابِ الأرضِ، أسيادِ المكانِ الذي تفوحُ زواياهُ وخباياهُ بعبقِ أصالةِ أهلِهِ وعراقتِهِم وأمجادِهِم.

تَبكيكَ المدارسُ التي زرتَها بفرحٍ كبيرٍ تبثُّ في نفوسِ تلاميذِها حُبَّ الوطنِ، وعشقَ اللّغةِ العربيّةِ، وغِنى تراثِنا، وروعةَ أدبِنا، والاعتزازَ بعروبتِنا وانتمائِنا الفلسطينيِّ الأصيلِ. تبكيكَ النّدواتُ، والمحاضراتُ، والمداخلاتُ، والحلقاتُ، والأمسياتُ، والمهرجاناتُ، والمَراسمُ، والاحتفالاتُ، والمناسباتُ الوطنيّةُ، والسّياسيّةُ، والقوميّةُ، والأمميّةُ. يَبكيكَ الجمهورُ، كبيرُهُ وصغيرُهُ، لأنّ صورتَكَ أمامَ ناظريهِ تملأُ المشهدَ عُمقًا وحُضورًا وهيبةً وصدقًا وحُجَّةً.

يَبكيكَ التّواضعُ، ويعلو نحيبُهُ لفقدانِكَ، فقد كانَ يتجوّلُ بينَ النّاسِ من خلالِكَ، ويذهبُ لينامَ مُرتاحَ البالِ فمحمّدُ نفّاعٍ يجسِّدُ ماهيّةَ القيمةِ وجوهرَ الوجودِ. يبكيكَ الصّدقُ الذي لا يخجلُ بشيءٍ ممّا فيهِ، الصّدقُ الذي يُفاخرُ بنفسِهِ وصفاتِهِ وأخلاقِهِ، الصّدقُ الذي يشقُّ طريقَهُ المُستقيمَ نحوَ أعماقِ القلبِ وثنايا العقلِ. تَبكيكَ الشّجاعةُ يا حاملَ قلبِ الأسدِ الهصورِ بينَ أضلاعِكَ. تَبكيكَ الجرأةُ في قولِ الحقِّ، ولو "على قطعِ رأسِكَ". يَبكيكَ التَّمسّكُ بمبادئِكَ، في زمنِ "السّوقِ الحرّةِ" للمواقفِ والقيمِ والقناعاتِ. يَبكيكَ الوفاءُ في زمنِ التّنكّرِ للنّبعِ الذي روى النّفوسَ في عِزِّ القيظِ. يبكيكَ العطاءُ في حقبةِ التّكرُّشِ والجارُ عطشانُ وجوعانُ.

أبكيكَ وأنا أُعِدُّ بحثي عن أدبِكَ الأصيلِ والجليلِ والجميلِ، فلِمَنْ سأهدي النّسخةَ الأولى بعدَ إنجازِهِ؟! سأهديها بعدَ عامِ على رحيلِكَ لأبنائِكَ، لمحبّيكَ، لقرّائِكَ، لشعبِكَ، لأدبِكَ، لمُكمّلي طريقِكَ. وكثيرونَ غيري يبحثونَ وسيبحثونَ في أدبِكَ، ويكشفونَ محاسنَهُ للنّاس، وستنطقُ كلُّ كلمةٍ كتبتَها أنتَ، أو كُتِبَتْ عنْكَ بروحِكَ المُبدعةِ والمكافحةِ.

رفيقُكَ

إياد الحاج – كفرياسيف

16/7/2021

موقع الملتقى غير مسؤول عن المقالات المنشورة التي تعبر عن رأي كاتبها والموقع يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير

 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع الملتقى بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير نأمل ان تعجبكم