" شذرات أخرى " للبروفيسور سليمان جبران
" شذرات أخرى " للبروفيسور
سليمان جبران
-----------------------------------------
بقلم : الدكتور منير توما
كفرياسيف
لقد سعدت جداً حين وصلني كتاب " شذرات أخرى " للبروفيسور سليمان جبران كإهداء منه مشكوراً , فاستمتعت بقراءته حيث تجلًت في مواضيعه روح الرشاقة والإيجاز شكلاً ومضموناً مما يجعل القارئ يشعر براحة نفسية ذاتية بفعل بُعد الكاتب عن المواربة والتعقيد , وبحكم الإتقان في توجههِ ِ الى القارئ بموضوعات ٍ خفيفة الظل وقريبة الى القلب لغة ً وأسلوباً .
من الملاحظ أنَّ موضوعات الكتاب تتّصف بالتنوع مما يؤكد لنا أنّ الكاتب يكتب من وحي الحياة اي من الحقيقة لا من الخيال , ونلمس ذلك بكون القلم البليغ يكتب دائماً ولا ينقطع عن الكتابة لاسيما اذا كان صاحب القلم من الذين يقبلون وهج اللهب المقدّس للأدب , ففي ذلك ذوق الحياة .
ومن اللّافت أنّ البروفيسور سليمان جبران يتعرض في موضوعات كتابه ِ الى الأدب والأدباء والفن والفنانين , وروح القرية ومباهجها وتراثها , وبعض الإشارات الى الحيثيات السياسية العابرة.
فنحن نراه يكتب عن ابن خلدون واضع علم الاجتماع , وكذلك يتحفنا بتطرقه ِ الى الكتابة عن الشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري بروحٍ فيّاضة من الأدبيات الراقية , بالإضافة الى تذكير الكاتب لنا في مقال ٍ له عن الأستاذ الكبير خليل السكاكيني , وأيضاً يتناول بالحديث شيئاً عن الرحابنة والفن الرحباني .
ولا ينسى الأستاذ سليمان جبران أن يتحدث عن المرحوم شقيقه الشاعر المرموق سالم جبران وعشقهِ لقريتهِ البقيعة التي كتب المرحوم عنها مقالاً بعنوان " القرية الشاعرة " الذي أورده الكاتب في هذا الكتاب .
وهكذا نرى أن الأستاذ سليمان جبران في موضوعات كتابه ِ هذا إنما يعكس شخصية الكاتب المحبوب الذي يمضي بقرائه ِ الى شِعاب من الفكر والروح والوجدان لا يصلون إليها بغير دليل .
وهنا تتجلى قيمة الكاتب بكونه ِ يُشعِر القارئ بأنه هداهُ الى أفق جديد من آفاق العقل والروح , ولو بلمحة سانحة في اثناء الحديث ليكون طريف الفكرة جميل الأسلوب .
ومن المهم أن نشير هنا أنَّ ما يعني الأستاذ سليمان جبران هنا الوشائج الإنسانية بوصفه ِ إنساناً صادقاً , أبياً , حُراً , ولا يبيع قلمه ولا لسانه لحاكم ولا لحزب ولا لصاحب جاه , فهو يؤمن بقدرة القلم في عطائه ِ الزخّار في الأدب , والنقد , والسياسة , والاجتماع , وكل ما يتصل بالعلاقات الإنسانية وما يبدعه الإنسان في شتى المجالات .
ومما يسترعي الإنتباه أن الأستاذ الدكتور سليمان جبران يعالج نقده للأمور معالجة جدل ونقاش وفي كثير من الأحيان بأسلوبٍ سردي في منطق سديد و وعمق نظر , ويعمل في الإقناع بشتى وسائل الإقناع , ويعمل الى الافتراض والمصارحة الجريئة مترفعاً بأدب وكياسة أن لا يذكر أسماء بعض الأشخاص مراعاة ّ للمشاعر والكرامات ولظروف معينة . وهذه إحدى الفضائل التي تضاف الى رصيد الكاتب , فهو يتصدّى للتيارات المختلفة في بُعد نظر , والارتفاع في آرائه في انفتاح حافل بالثقافة وطاقة التحليل , وهو أبداً يدعم أقواله بالأدلّة التي يتعاون فيها العلم والمنطق والذوق وفي هذا السياق يقول الكاتب في مقاله " اعذروني .. مرة أخرى " حول موضوع لعب القمار كتمهيد لما سيقوله بعد ذلك حيث يذكر في تمهيده هذا بأن متعة القمار تخرّب
البيوت , ويضيف قائلاً : " أعرف القمار من قصيدة بهذا العنوان كتبها الأديب نجيب الحدّاد , يقول في مطلعها :
لكُلِّ نقيصة ٍ في الناس ِ عارُ
وشرُّ معايب ِ المرء ِ القمار ُ
هو الداء ُ الذي لا بُرءَ منه
وليس َ لذنب ِ صاحبه ِ اغتفار ُ
ويستطرد الكاتب قائلاً : إنَّ الشاعر يبدو صادقاً في هذا المطلع التقريري وفي القصيدة كلها !
القمار مرض لا شفاء منه " .
وينتقل الكاتب بمهارة وبراعة الى الحديث عن قماره قائلاً : " قماري هو كتابة المقالات السياسية . في كل مرة أقول شفيت , لكني أقرأ بعض " المحللين " فأحس في اصابعي خدراً يدفعني الى كتابة المقالة السياسية من جديد ! " .
وخلاصة القول , إنَّ البروفيسور سليمان جبران في مقالاته ِ في هذا الكتاب , ونقده ِ لبعض الأمور , كان رجل الكلمة الحرّة , والرأي الجريء حيث تتضح غيرته على اللغة وآدابها وعلى المجتمع العربي وقضاياه . وقد تشعّبت موضوعاته فكان منها الفكري والاجتماعي والأدبي , وبالتالي فهو شديد الالتزام في مواقفه ِ , شديد الإعتداد برأيهِ من خلال أسلوبه في هذا الكتاب الذي يتّسم بغير أسلوب السرد المجرد , بالإضافة الى تميّزه بالدّقة والتحليل والنزاهة وسعة الأفق .
فللأستاذ الدكتور سليمان جبران أصدق التحيات وأطيب التمنيات بموفور الصحة والعمر المديد ودوام التوفيق والعطاء .
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع الملتقى بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير نأمل ان تعجبكم
تعليقات