شمعون بلاص.. العربي – اليهودي
شمعون بلاص.. العربي – اليهودي
زياد شليوط
تعرفت اليه أولا كمحاضر في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة حيفا، حينما درست للقب الأول في النصف الأول
من ثمانينات القرن الماضي. انه الدكتور شمعون بلاص، المحاضر اليهودي ذي السحنة الشرقية واللغة العربية
الفخمة السليمة ذات الأصول العراقية، الانسان المتواضع الذي لا يوحي لك مظهره أنه محاضر أو حامل للدكتوراة
حيث قلّ عددهم آنذاك، لولا وجوده هناك وتقديمه لمادته في تطور الأدب العربي الحديث، بكل ثقة ومعرفة وعمق، لما
عرفت أنه محاضر جامعي وباحث كبير في الأدب العربي. يضاف الى ذلك أسلوب تعامله مع طلابه من العرب الوافدين
الى الجامعة، الى عالم غريب وجديد عليهم لم يكن عليهم سهلا التأقلم فيه، كما كان يسعدنا كطلاب عرب أن يتودد الينا
محاضر يهودي قبل بدء المحاضرة خارج القاعة، انه محاضر يختلف عن زملائه اليهود، هكذا كان شمعون بلاص ومعه
دافيد صيمح رحمهما الله.
رحل الباحث والمحاضر والأديب اليهودي – العربي، كما كان يعرف نفسه، رحل مؤخرا في خضم احتجاجنا على موجة
الاجرام التي تضرب مجتعنا، وتظاهراتنا عند مفارق الطرق ومداخل بلداتنا لايصال صرختنا الإنسانية الى المسؤولين
في الحكومة الإسرائيلية، الذين لا يتعاملون معنا كمواطنين في دولتهم العبرية. ولهذا لم نلتفت الى وفاة هذا الانسان القريب
منا جدا، وبفقدانه فقدنا نصيرا وسندا في وقت نحتاج فيه الى أمثاله من اليهود الشرقيين التقدميين، بل فقدنا انسانا منا،
ابن ثقافتنا وبيئتنا.
لم أعلم في أيام الجامعة أن شمعون بلاص تأثر بالأديب العربي المميز جبران خليل جبران، وهو الأديب الذي تأثرت به
في مطلع شبابي وقرأت كل كتبه العربية والمترجمة، بل علمت ذلك الأسبوع الماضي ومن خلال
ما نقلته صحيفة "هآرتس" (الملحق الأدبي، الثلاثاء 8/10/2019)، عن بلاص في كتابه " الضمير الأول
" وهو سيرته الذاتية حيث قال عن اعجابه بالأدب العربي " سحرت بكتابات اثنين في الأدب العربي الأصلي
وهما: جبران خليل جبران وطه حسين.. صوت جبران برأيي كان صوت المنطق، صوت الصدق والاستقامة
في الانسان، واعجابي به قادني لأن أقلد أسلوبه
الخاص في كتابة قصص قصيرة والتي تجنبت عرضها على أصدقائي". ودأب بلاص على الكتابة في صحافة الحزب الشيوعي وخاصة مجلة "الجديد" التي أشرف على تحريرها الأديب إميل حبيبي. خاصة وأن بلاص انضم الى صفوف الحزب بعدما كان شيوعيا نشيطا في العراق.
ولد شمعون بلاص في العاصمة العراقية بغداد في العام 1930، وقدم الى بلادنا عام 1951، ولم يتأقلم مع اليهود "الأشكناز" القادمين من أوروبا، فحافظ على ثقافته العربية وانتمائه لها ولم يخجل بذلك، وكانت له فلسفته الخاصة في ذلك، دلت على فهمه لوجوده هنا وعمق اختلافه عن اليهود الغربيين، حيث قال في هذا الصدد "أنا لم أبتعد عن العالم الذي ولدت فيه، اني فقط انتقلت من بلد الى بلد داخل المنطقة العربية. وبهذا أختلف عن أدباء مهاجرين آخرين من أوروبا وأمريكا الى إسرائيل. فأنا لم أقطع البحار للوصول الى هنا".
ورغم انتمائه اليساري الشيوعي عقائديا، الا أنه انتمى أيضا الى الثقافة العربية والى محيطه العربي ولغته العربية (لغته الأم) التي غلبت على انتمائه العقائدي الى حد أنه اعتبر نفسه يهوديا- عربيا، وقال عن ذلك موضحا ومعللا: " اني أعرف نفسي في كل مناسبة على أني يهودي – عربي، وليست لدي مشكلة مع ذلك، لأن ثقافتي برمتها هي ثقافة عربية".
رحم الله الأديب والمحاضر والباحث، رحم الله الانسان المتواضع والأديب الكبير، آخر اليهود –العرب، شمعون بلاص.
(شفاعمرو- الجليل)
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع الملتقى بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير نأمل ان تعجبكم
تعليقات