ضوءُ منير الذي لا ينطفئ
ضوءُ منير الذي لا ينطفئ
وفاءً لروحِ منير بولس الذي فارقَنا جسدُهُ يومَ الأربعاء 4/3/2020، لكنّ ذكراهُ العطرة باقية فينا
كعادتِهِ يغافلُنا ذلكَ الغادرُ، نطمئنُّ إلى انشغالِنا الطّارئِ، ونستغرقُ في تفاصيلِ الحياةِ، حتّى نَغفلَ عنْهُ، فيختلسُ خُطاهُ، من بينِنا، ويسترقُ حضورَهُ المـُخاتلَ، فيغدو حضورُنا غيابًا، وغيابُهُ حضورًا. أيُّ قدرةٍ وفيّةٍ على التّخفّي يُثبتُها غدرُهُ الخائنُ، أيُّ خداعٍ مُراوغٍ يزيّنُ بهِ شفافيتَهُ القاتلة!
لقد خدعَنا مرّةً أخرى، وجعلَ أنظارَنا أضحوكةً، وحوّلَ أسماعَنا إلى نكتةٍ ثقيلةٍ، وصيّرَ أنوفَنا صحراءَ جرداءَ لا تعرفُ رائحةَ نبتةٍ ولو يتيمةٍ؛ مَرَغَ ذكاءَنا بالوحلِ، ودمغَ جبينَ انتباهِنا بالعارِ، واختطفَ من عمرِنا روحَ منير بولس.
كانت ظرافتُهُ تربطُنا بحلاوتِها فنلتصقُ بهِ كما تلتصقُ النّحلةُ برحيقِ أزهارِ آذارَ التي تزيّنُ ربوعَ الجليلِ، كانت خفّةُ دمِهِ تُقعدُنا ولا تُقيمُنا، فنسكنُ إلى روحِهِ نعانقُها ونعجزُ عن فراقِها، كان مرحُهُ يتغلغلُ إلى نفوسِنا، يصفّي فضاءَها ويُطلقُ جناحيهِ ليحملَنا إلى حدائقِ الفرحِ وروابي السّرورِ.
لا أنساكَ وأنتَ تروي لي أحداثَ يومِ الأرضِ الأوّلِ، عام 1976، حيثُ لبّيتَ نداءَ شعبِكَ، وتحدّيتَ التّهديدَ بالفصلِ منَ العملِ، وكنتَ عاملًا في مصنعِ "آتا" آنذاكَ، كنتَ تُخبرُني باعتزازٍ أنّهم فصلوكَ منَ العملِ، وكنتَ تذكرُ لي زميلتَكَ المكافحةَ، عبلة العمّوري التي فُصلتْ معَكَ، كانت تفوحُ من كلماتِكَ روحُ افتخارٍ وطنيٍّ عزيز، وعزّةٍ قوميّةٍ نقيّةٍ.
لقد آثرتَ أن تنصهرَ في عائلتِكَ الكبيرةِ، فاتّحدتْ عائلةُ بولس بعائلةِ: الحاج، صفيّة، شحادة، مرقس، نجّار، عبد الله، خطيب، حسن، فرح، سعيد، توما، بصل، سعد، درويش، شرقيّة، طحيبش، أبو عقل، إلياس، عوّاد، ياور، دلّه، خير، ملحم، صالح، كعكوش، داود، ديراوي، عطا الله، طعمة، بشارة، يعقوب، سكس، جردلي، سعدى، أبو جاموس، جريس، رزّوق، طرباني، اندراوس، سالم، قسّيس، بدر، لبناسي، مارون، مجدوب، وشاحي، حديد، سارجي، نصر، بنّا، لاذقاني، عودة، ناطور، عثمان، سالم، شلبي، مخّولي، جلّام، مساعدة، استيتيّة، عرفات، خديجة، مالك، عوض، كرينّي، عبد القادر، علي، شريف، مرعي، مخلّلاتي، عبد اللّطيف، عبد العال، عبّود، قبطي ... وكنتَ صديقًا وفيًّا للحزب الشّيوعي والجبهة الدّيمقراطية الذين احتضنوا كلّ هذه العائلات، حتّى غدتْ عائلةُ كفرياسيف الأصيلةُ، الجليلةُ، الجميلةُ، عائلةَ الكلِّ في الواحدِ، والواحدِ في الكلِّ، هي فرعٌ نضيرٌ من شجرةِ الأمميّةِ الوارفةِ.
إنّ منسوبَ الطّيبةِ والتّواضعِ والقناعةِ والبساطةِ والصّدقِ والاستقامةِ والجرأةِ والمحبّة، والعطاءِ والإنسانيّةِ والوفاء قد ارتفعَ بانضمامِكَ إلى كفرياسيفِ العائلةِ، أو عائلةِ كفرياسيف التي أورثَنا إيّاها أجدادُنا وآباؤُنا وصانَها حزبُنا وجبهتُنا برمشِ العزّ وبؤبؤِ الكرامةِ.
يا فرحةَ العيدِ يا منيرُ، العيدُ الذي مضى، والذي يأتينا حزينًا على فراقِكَ، ينقضي العيدُ ولا ينتهي الفرحُ، لأنّ الفرحَ أكبرُ منَ العيدِ، يا فرحَ الأعيادِ يا منير، ويا فرحَ الدُّنيا، ستبقى في قلوبِنا فرحًا مُعطّرًا يملأُ روحَنا، وأنحاءَ حياتِنا، يستنشقُ شذاك كلُّ ما هو جميلٌ حولَنا. وإنّ النّورَ الذي انبعثَ من سراجِكَ سيبقى ينيرُ قلوبَنا بكلّ الحبّ.
إياد الحاج
4/3/2020
كفرياسيف
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع الملتقى بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير نأمل ان تعجبكم
تعليقات