من توقيع لرواية “على شواطئ الترحال” للكاتبة د. راوية بربارة، في قرية طرعان/فتحي فوراني
من توقيع لرواية “على شواطئ الترحال” للكاتبة د. راوية بربارة، في قرية طرعان/فتحي فوراني
**مرحلة الغربلة..
أصبحت في مطالعاتي انتقائيًّا إلى أبعد حدود. وكاد يسري عليّ ما جاء في التراث الشعبي عن الذي لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب.. أما راوية فكانت واحدة من الاستثناءات التي حظيت بها.. لقد أعجبتني نصوصها الأدبية لغة وفكرًا وأسلوبًا، وأعجبني مذاقها الشعري وحضورها الطاغي على المنابر الثقافية.. واكتشفت أن اللغة العربية الجميلة تجري دماءً في عروقها.. وأنها مجبولة من طينة الأبجدية الجميلة.. من رأسها حتى أخمص قدميها.
لم أكن أعرفها من قبل.. غير أنني عشقت إبداعاتها الشذية.. قبل أن ألتقيها.في البداية أطللت على إبداعاتها من الشرفة الأسبوعية في صحيفة “الاتحاد”.. ورحت أتربّص بهذه الإبداعات حتى لا تفلت مني غزالة شاردة.. وكنت أقول في نفسي: إني أراهن على هذه المهرة الإبداعية الأصيلة.
فمن تكون هذه البُنيّة؟
وسرعان ما جاء الجواب.. فأزاح الستار عن الجذور التيأطلعتها.. وأزال الضباب الكثيف من علامات السؤال!
إنها من مدينتي.. إنها من الناصرة مدينة البشارة والبشائر. والحقيقة أنني فرحتلهذا الاكتشاف،ورحت أقول في نفسي فرحًا:يوريكا.. يوريكا.. لقد وجدتها!.. إن هذه البُنَيّة المبدعة من مدينتي!.. واكتشفت أننا شربنا من نفس الينابيع النصراوية.. وشربنا من عين العذراء.. أم الينابيع.. وكم فرحت عندما اكتشفت أنني – منذ أيام الطفولة- أعرف والدها الطيب الجميل قسطندي جرجورة من أيام الزمن الجميل.. عندما كانت الناصرة ناصرة.
كنت أستمتع بإبداعاتها لغة وفكرًا وأسلوبًا في وقت كثر فيه ضجيج المفرقعات البهلوانية المنطلقة من الأقلام المتأتئة التي تستميت للوصول إلى موطئ قدم في المشهد الأدبي، والتي تمتاز بالضحالةالإبداعية ويصل فيها منسوب الموهبة إلى درجات دنيا لا تشرف صانعيها.. وتعاني من الأنيميا الإبداعية.
**
لقد التقينا معًا في المنابر الثقافية في هذا الوطن.. كانت شريكتي وكنت شريكها وكنا شركاء في العديد من المنابر الثقافية في حيفا والناصرة وكفر ياسيف.. مرورًا بالكثير من المواقع التي تشكل المشهد الثقافي في وطن الآباء والأجداد.
في بداية الطريق.. كان دأبي أن أواكب كل ما تقذفه المطابع هنا وفي دنيا العالم العربي.. كنت أقرأ كل شيء حامضًا وحلوًا.. حتى اتسعت أنهار المعرفة.. ففاضت وغمرت الشواطئ.. وبلورت المواقف..
ثم كان التماسّ مع الخطوط الحمراء.. فبدأت مرحلة الغربلة.. وحيث إن الوقت من الذهب الخالص.. أصبحت في مطالعاتي انتقائيًّا إلى أبعد حدود.وكاد يسري عليّ ما جاء في التراث الشعبي عن الذي لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب..
أما راوية فكانت واحدة من الاستثناءات التي حظيت بها.. لقد أعجبتني نصوصها الأدبية لغة وفكرًا وأسلوبًا، وأعجبني مذاقها الشعري وحضورها الطاغي على المنابر الثقافية.. واكتشفت أن اللغة العربية الجميلة تجري دماءًفي عروقها.. وأنها مجبولة من طينة الأبجدية الجميلة.. من رأسها حتى أخمص قدميها.
أتراني وقعت في شَرَك المبالغة.. وأنني بهذا التوصيف ما أنا إلا من “غُزيّة”.. إن غزت غُزيّة غزوت!؟
وأنني خريج المدرسة الرومانسية؟
ربما.. لست أدري!
**
إن الموهبة الإبداعية لدى راوية فرضت نفسها على المشهد.. وأوصلتها إلى موقع المسؤولية واتخاذ القرار، فكانتالقبطان الذي يدير دفة سفينة اللغة العربية في وزارة المعارف. وهذه لعمري مسؤولية جسيمة لا تحتمل التدجينوالمهادنة..
فراوية منحازة ملتزمةولا تؤمن بالحيادية.. ولا تنعم في ترف الجلوس داخل “زنزانة”في البرج العاجي.. متفرجة على ما يدور في المشهد الأدبي.. فليس في قاموسها عبارة “النأي بالنفس” عن الحرائق المشتعلة في حقول الأبجدية.. ووصلت إلى أبواب بيوتنا! لقد آلت على نفسها أن لا تنأى بنفسها عن المشاركة في الميادين الواسعة في المواقع التربوية والتعليمية التي تسيطر عليها الرتابة ويعلوها الغبار الكثيف!
إن انحيازها إلى الجمال في لغتها القومية ترك بصماته على المشهد التربوي والتعليمي.. بوجودها في هذا الموقع المسؤول هبت رياح جديدة على مشهد التربية والتعليم.. وصرت حيثما ذهبت وجدت راوية.. تشهر معولها الثقافي.. وتفلح الأرض العطشى.. وتسقيها من دمها. إنها حاملة رسالة على الجبهة الثقافية.. وحاملة البوصلة.. وحاملة راية التغيير.
عزيزتي راوية
لقد كتب علينا أن نعشق اللغة العربية.. ونحن سعداء لأن يكون نصيبنا في هذه الدنيا أن نكون حراسًا للجمال في عيونها الكحيلة.. إنه قدرنا الذي اخترنا.. ونحن سعداء في اختيارنا لهذا القدر.
تحية صادقة من عاشق اللغة العربية.. إلى توأمي في أبجدية العشق..
دمت لنا راوية.. حاملة راية التغيير.. وحارسة لأجمل اللغات.
كل عام وأنت مبدعة..
وكل عام وأنت وشعبنا بألف خير
**
(ألقيت الكلمة في بيت المبدعة د. راوية تلبية لدعوتها بعد الأمسية التكريمية الاحتفالية في أوديتوريوم أبو سنان. كانت الأمسية “البيتية”أمسية حميمية شارك فيها كوكبة من الكتاب والشعراء والأصدقاء والفنانين المبدعين الذين يشكلون المعالم البارزة في المشهد الثقافي.. ومعهم الأسرة الكريمة لراوية.. وساد الأمسية حوارات ثقافية وأجواء ميلادية رائعة مفعمة تفاؤلًا بميلاد عام جديد تتحقق فيه الأمنيات والأحلام والسلام العادل)
28-12-2017 أبو سنان
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع الملتقى بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير نأمل ان تعجبكم
تعليقات