بقلم: يوناتان شير - زاڨيت وكالة الأنباء التابعة للجمعية الاسرائيلية لعلوم البيئة

إنتاج الماء من الماء–

اختراع كندي جديد يركب على أمواج البحر، ويقوم بتحلية المياه بمساعدة الحركة الطبيعية للمحيط. هل سنراه قريبًا يعمل في البحر الأبيض المتوسط أيضا؟

من المفروض أن جميعنا بات يعلم، أن لا طعام مجاني في هذه الحياة، وغالبًا، لا يوجد شراب مجاني كذلك، وتشهد على هذا، كل محطةٍ من محطات تحلية المياه الخمس، المنتشرة في جميع أنحاء البلاد، والمسؤولة عن تحلية حوالي %75 من مياه الشرب لدينا. صحيحٌ أنها تزوّد البلاد شبه-الصحراوية بالمياه العذبة من مياه البحر، إلّا أن تشغيلها يتطلّب الكثير من الطاقة، والتي يتم إنتاجها حاليًا، بشكل رئيسي، من حرق الوقود الأحفوري، الذي يؤدي إلى تفاقم أزمة المناخ.
ومع ذلك، هنالك شركة كندية الآن، تتحدى تلك المشكلة المعروفة، وتعرض تحلية مياه البحر، دون أثمان بيئية، حيث يتيح ابتكارهم الجديد تحلية المياه، باستخدام الطاقة الموجودة في المحيط نفسه، بمساعدة حركة الأمواج، ودون استخدام الكهرباء أو أي انبعاث غازات ملوّثة.

حل أزرق-أزرق
كما ذكرنا، فإن الابتكار الكندي، من تطوير شركة "Oneka Technologies"، يستخدم حركة المياه الطبيعية في المحيط، للقيام بتحلية المياه. ويشمل طفّافات تعوم على سطح الماء، مثبّتة في مكانها باستخدام أوزان موضوعة في قاع المحيط، وعندما تتحرك الطّفافات، تؤدي حركة الأمواج الى تشغيل مضخة مياه، والتي تقوم بضغط مياه البحر داخل جهاز تحلية المياه، حيث تمر داخله المياه، عبر أغشية (مصافي)، تمنع مرور الأملاح والملوِّثات الأخرى عبرها، مما يسمح بمرور الماء فقط (نظام الأسموزا العكسية، أو التناضح العكسي). تُستخدم طاقة الأمواج، أيضا، لضخ المياه المحلّاة إلى الشاطئ، حيث يتم تخزينها أو توزيعها على المستهلكين.
يتم إنتاج الجهاز الجديد بثلاثة أحجام وقوة مختلفة وهي: "جبل الجليد"، وهو أكبر نسخة، بقياس 5 × 8 أمتار ويزن 11000 كيلوغرام، ويمكنه إنتاج 30000-50000 لتر من المياه المحلاة يوميًا، وهو مصمم لخدمة التجمّعات السكانية الساحلية، والصناعات المحاذية للسواحل، ومنتجعات الاستجمام. أما النسخة المتوسطة، والتي تزن 2,250 كيلوغرامًا، فتُنتِج 10000 لتر من المياه المحلاة يوميًا. وأصغر نسخة من المنتج، "مكعب الثلج"، الذي تبلغ مساحته 1.5 متر مربع، ويزن 350 كيلوغراما، فيستطيع إنتاج 1000 لتر من المياه المحلاة يوميًا، وهو مصمم لتوصيل المياه بشكل سريع، ولمستهلكين محليّين، خاصّة للمناطق المنكوبة بالكوارث، والتي تحتاج إلى مساعدات إنسانية.


وفقًا للشركة، يمكن لكل وحدة من الحجم الكبير، تقليص مئة ألف (100000) كيلوغرام من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنويًا، أي ما يعادل إنزال 20-30 سيارة عن الشارع لكل وحدة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الطفّافات نفسها مصنوعة، بشكل أساسي، من البلاستيك المُعاد تدويره، وبكميّات كبيرة، فمثلًا تتكون سبع وحدات من "جبل الجليد"، من حوالي 1.2 مليون زجاجة بلاستيكية مُعاد تدويرها. ميزة بيئية أخرى، تتعلق بالمراسي التي تثبّت الطفّافات في مكانها، حيث يأمل المُخترعون، أنه عندما تستقرّ المرساة في قاع المحيط، ستكون بمثابة شعاب مرجانية اصطناعية من أنواع مختلفة، تصبح في غضون بضعة أشهر بيتًا “لسكّان" المنطقة. علاوة على ذلك، وعلى عكس محطات تحلية المياه "العادية"، فإن جهاز الشركة الكندية لا يُنتج محلول ملحي مُركّز، تلك المياه البالغة الملوحة التي يمكن أن تضر بالنظم البيئية البحرية.
بالإضافة إلى الفوائد البيئية، تقول الشركة إن ابتكاراتها مجديةً تجاريًا، مما قد يقلّل من التكاليف المرتفعة، وأوقات التخطيط والترخيص الطويلة، والبنية التحتية اللازمة لبناء محطات التحلية العاديّة، ويُدلّل على هذه المنفعة، التعاون مع مدينة" فورت براغ"، التي تقدمت بطلب للحصول على منحة من الولاية التي تقع فيها، كاليفورنيا (المنكوبة بالجفاف والتي تكثر الأمواج على شواطئها)، في الولايات المتحدة الأمريكية، لإنشاء مثل هذا الجهاز العائم لتحلية مياه البحر.
بالإضافة إلى ذلك، منحت وزارة الطاقة الأمريكية مؤخرًا، الشركة الكندية، الجائزة الكبرى وجوائز أخرى في مسابقة "Waves to Water" (أمواج من أجل المياه)، لتشجع الشركات على إنشاء مشاريع تستخدم الطاقة المائية لتحلية المياه، حيث وصلت قيمة الجوائز إلى 729,000 دولار.

قطرة في البحر الإسرائيلي
هل هذا الحل، يمكن أن يكون مناسبا لإسرائيل أيضا؟ "لدينا حاليا خمس محطات كبيرة لتحلية المياه على الساحل، والتي تُنتج أكثر من 650 مليون متر مكعب من المياه سنويا"، يقول البروفيسور عيدو بار- زئيف، من معهد "زوكربيرغ" لأبحاث المياه، في حرم سديه بوكر بجامعة "بن غوريون". وفقًا لبار- زئيف، يبلغ استهلاك الطاقة لتحلية المياه في المصانع الإسرائيلية، 3-4 كيلوواط /ساعة لكل متر مكعب من المياه. وبالمقارنة، هذه هي نفس كمية الطاقة المطلوبة لتشغيل غسالة أطباق 2-3 مرات في اليوم. لذلك، قد يتوقع المرء، أن حلّا يوفّر كامل التكلفة تلك، سيكون مغريًا.

ومع ذلك، ووفقًا لبار زئيف، فهناك نقص متأصّل في هذا الابتكار الجديد، وهو كمية المياه المحدودة نسبيًا التي ينتجها. "وحدة كبيرة من هذا الجهاز تستطيع تحلية حتى 50 متر مكعب من المياه يوميًا، مضروبًا ب- 365 يومًا، أي ما يعادل 18,250 مترًا مكعبًا في السنة. هذه كمية، لا يمكن مقارنتها بمقاييس محطة الخضيرة، على سبيل المثال، التي تحلّي 150 مليون متر مكعب من المياه سنويًا". وهكذا، فمن أجل توفير إنتاج المياه المحلّاة في إسرائيل، هناك حاجة إلى حوالي 36000 وحدة من"جبل الجليد"، ولذلك، يبدو أن حلول الشركة الكندية، أكثر ملاءمةً للمناطق الأقل كثافة سكانية، بمحاذاة ساحل يمتد طويلًا.
وفقًا لبار زئيف، فإن الابتكار الجديد يعاني مشكلة أخرى. ويوضح قائلا: "الصيانة في البحر ليست سهلة أو رخيصة، والمرافق الموجودة داخل البحر، تبلى بسرعة أكبر بكثير من المرافق الموجودة على الشاطئ"، لكن الشركة الكندية تدّعي خلاف ذلك، ويقولون إن أجهزتهم تحتاج صيانة محدودة للغاية، (3-7 جولات صيانة سنويًا لكل وحدة)، وعمرها الافتراضي هو 20-15 سنة.

الإسرائيليون جيدون في الماء
على الرغم من تعقيداته، يؤكد بار زئيف، أن هذا ابتكار مثير للاهتمام وخلّاق. "يمكن أن يكون هذا الجهاز حلّاً لاحتياجات محدّدة، على سبيل المثال، الأماكن المنكوبة بالكوارث، حيث من الضروري توفير المياه بسرعة، ولفترة قصيرة نسبيًا." بالإضافة إلى ذلك، وفقًا لبار زئيف، سوف يبقى العالم بحاجة إلى حلول عديدة ومتنوّعة، في كل ما يتعلّق بإدارة ملف المياه، ويقول: " نحن نسير باتجاه أزمة مياه عالمية، مع وتيرة أعلى من فترات الجفاف، وفي مناطق لم تشهد الجفاف سابقًا".
الأخبار السارّة، على الأقل بالنسبة لنا، هو أنه حتى بدون الطوافات الكندية، فإن إسرائيل في طليعة تكنولوجيا إدارة المياه. "على مستوى إعادة الاستخدام، وفي كل موضوع تحلية المياه، نحن متقدمون على معظم دول العالم"، يشهد بار زئيف. "في هذا الصدد، إسرائيل اليوم في مكان ممتاز، ويمكن أن تكون مركزًا لتصدير المعرفة حول موضوع المياه إلى العالم بأسره".

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع الملتقى بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير نأمل ان تعجبكم