مقدمة

بقلم : الدكتور منير توما

كفرياسيف

 

إن صور ولوحات معرض «انعكاسات» تقدِّم اعترافًا بفردية الفنان الفلسطيني ، وبفرادة علاقته ببقية الناس ومجتمعه وبيئته ، وحنينه الى جذوره وأصوله وذلك من خلال مستوى ذوق الفنّان الرفيع ومستوى الذوق العادي . ومن هنا فإنّ المجتمع المتذوق لهذهِ الصور الفوتوغرافية واللوحات الفنية التشكيلية والتراكيب الفنيّة ، يدرك الاحتياجات الخاصة جدًا بالوسط الفني عامةً والفنانين المشاركين في هذا المعرض خاصةً ، لاسيما وإنّ هؤلاء الفنانين ينتمون الى الشعب الفلسطيني بكل ما يحمله فنهم وشخصياتهم من رمزية خاصة ، فالفنّان يقاسي انفرادًا محزنًا ، إذا لم يستطع عن طريق فنهِ أن يخاطب عددًا كبيرًا من الناس ، يجعلهم يفهمونه ، ويحيطون بنوازع ابداعه بشكل مباشر .

فإذا تطرقنا الى الفنانَيْن شريف سرحان ورائد بواية ، فإننا نلمس في فن التصوير لديهما كيفية أن يتأتّى النغم ، بالتأكيد على أجزاء معينة من الشكل دون غيرها تُظهِر بساطة الحياة التي يشوبها كثير من البؤس والإبتئاس نتيجة الظروف التي يعايشها الفنّان من خلال تصوير شذرات من حياة شعبه . فكل الأجزاء، مؤكدة وغير مؤكدة، تدور حول شيء يبنى عليهِ العمل الفني معتمدًا العنصر الإنساني بحميميتهِ الطبيعية وباشيائهِ الحياتية اليومية وبجلساتهِ الاجتماعية التقليدية ، فقد يكون هذا الشيء أو الإنسان الظاهر في الصورة بمثابة جسم ذي مساحة نجدها من ظل ونور الى الأبعاد الثلاثة للسطح تخدم ذلك الشيء المسيطر وتثور العين للإحساس بهِ .

أما إذا تناولنا الأعمال الفنيّة للفنانَيْن عُلا زرعيني وعلاء البابا ، فإنّ تراص وتزاحم الألوان والأشكال يبدو واضحًا أو شبه طاغٍ مما يعكس ما يعانيه الفنّان بشكل خاص من ضغط نفسي وضائقة حياتية نابعة من أوضاع سائدة تمثلها وترمز إليها الألوان شبه القاتمة البعيدة عن الميل الى الألوان الفاتحة . وفيما يتعلق بالفنان ساهر ميعاري ، فإنّ عمله التركيبي المُتَجَسِّد بالقارب الخشبي يرمز الى أحلام البناء التي يصبو إليها شعبه الفلسطيني للوصول الى بر الأمان وطمأنينة العيش . أضف الى هذا أنّ الحياة ، بما تحتويهِ من الفوضى والتناقض لا تساعد الإنسان على تبيُّن الاتزان والإنسجام كقانون مهم في الكون إلّا برؤية أكثر وضوحًا نحو الإبحار باتجاه الفَنّ البَنّاء ذي الرؤى كلية الاختلاجات التي تكثّفها حساسية الفنّان . ومما تقدّم ، نستخلص بأنّ الفنانين الخمسة ، الذين نحن بصدد فنونهم ، استطاعوا بهذه الأعمال الفنية ذات الرمزية التي تظهر في شكلها المطلق وطابعها الموحي ، أن يتفاعلوا مع ضغوطات الحياة التي يعاينها الشعب الفلسطيني في سُبل معيشته اليومية اجتماعيًا وانسانيًا .

فللفنانين الخمسة الكرام خالص التمنيات الطيبة بدوام التوفيق والابداع والعطاء الدائم .

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع الملتقى بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير نأمل ان تعجبكم