جمالية اللفظ والمعنى والفكر في كتاب «صباحكم سُكَّر» للاستاذ حسين مهنّا

 

بقلم : الدكتور منير توما

كفرياسيف

 

لقد كانت لحظات فائقة من الاستمتاع حين أخذت بقراءة صفحات كتاب «صباحكم سُكَّر» للاستاذ الشاعر حسين مهنّا الذي أهداني مشكورًا نسخة من كتابهِ هذا ذي المقالات المكثّفة بكلماتها وسطورها ، والمُعطرّة بثراء معانيها وأفكارها النيّرة التي تُدخِل الى قلب القارئ نشوةً ذهنيةً تبعت في نفسهِ راحةً نفسيةً مفعمةً بروح التماهي الاجتماعي والانساني والأدبي والثقافي لما ورد في هذه المقالات من صدق الرؤى وأمانة الكلمة . فالأستاذ حسين مهنا يعكس شفافيته المعهودة في عالم الأدب والفكر واللغة بانسيابية وسلاسة وتدفُّق دون أن يشعر القرّاء بأيِّ مللٍ، بل بكثيرٍ من المتعة التي تداعب وعي الانسان الذي يشعر بمدى ما يعكسه الكاتب من اراء واحاسيس تتساوق وتتناغم مع العديد مما يعتمل في ذات المتلقي .

ومن اللافت أنَّ معظم مقالات الكتاب تتّسم بخفة الظل من ناحية ، وجدّية الرؤية ورصانتها . ومن اكثر ما استرعى انتباهي لدى الكاتب عشقه للغة العربية لا سيما وأنه في هذا الكتاب يكرّس لها جانبًا مهمًا وحيِّزًا ملموسًا من المقالات لتمسّكه بإعلاء شأن هذه اللغة بالغة الاتسّاع والجمال ، واصراره الرصين على الاهتمام بشكل الكلمة من حيث الحركات ، وفي هذا الأمر تبرز جمالية الصوت في القراءة ، وسلامة اللفظ ؛ وتتجسَّد هذه المحبة الفائقة للغته في مقالتهِ «اسألوا الغوّاص» (ص 112) وفي مقالة «لِمَ الشَّكل» (ص 164) . وبالإضافة الى ذلك يعود بنا الاستاذ حسين مهنا الى الأيام الخوالي وذكريات يَلذُّ للمتلقي أن يقرأها ويستمع الى تفاصيلها ، مُتَخِذًّا منها مُحَفّزًا لتوارد أفكار مُبَطّنة بذكريات تراود القارئ الحسّاس والمتعاطف أو المتماثل مع جوهر وحيثيات ذكريات الكاتب . ومما يجعلنا نتفق مع رأي الكاتب حول كلامه عن «الزمن الرديء» والزمن الجميل» قناعته بأنَّ الزمن بريء من العيوب والمساوئ ، وأن العيب نابع من ممارسات وأخلاقيات البشر ، وهنا نستذكر قول الإمام الشافعي :

نعيبُ الزمانَ والعيبُ فينا

وما لزماننا عيبٌ سوانا

ولقد أعجبني جدًا مقال الكاتب حول «تلاقُح اللغات» ، ووجهة نظرة المنفتحة فكريًا وتأكيده على عدم خوفه على اللغة العربية من استعمال كلمات أجنبية لبعض المخترعات .

إنَّ الاستاذ حسين مهنا لا يتوقف في هذا الكتاب من اتحافنا بارائهِ السديدة وممارساته الحضارية الراقية بعلاقته بالغناء والاستماع إليه بمتعة ، حيث يخبرنا باللذة التي يستقيها من استماعه الى القصائد الفصيحة الموزونة المقفاة ، معتبرًا ذلك من أهم الطرق للحفاظ على اللغة العربية . ونحن نرى أنه محقٌّ في ذلك لغويًا وفنيًّا وثقافيًا .

ومن قراءتنا لمقالات الاستاذ حسين مهنا في كتابهِ «صباحكم سُكّر» ، يتضح لنا أنّهُ ذو آراء نيّرة سديدة ، يتخللها أحيانًا عابرة بعض الفكاهة المعتدلة وإن كانت غير مباشرة ؛ ونظرته الى الحياة هي نظرة المعية شاملة ، فهو لم يكن ساخرًا ولا هجّاءً في هذه المقالات ، ولم يكن كاتبًا ملغزًا غامض المقاصد ، بل كان يؤثر الوضوح والبساطة والسهولة في عرض أفكارهِ ورؤاهُ ذات المذاق اللطيف ، والنكهة المستطابة .

ولا ننسى أن نشير هنا الى ما ورد في الكتاب من حب الاستاذ حسين مهنا وولعه الشديد بقريتهِ البقيعة والطبيعة فيها بجمالها وسحرها الأخّاذ مما يعكس الصفة الإنسانية الأبرز لدى الكاتب ، فقد رأينا واستنتجنا من روح مقالات الكتاب أنّ صفة الإنسان هي التي حدّدت معالم فكر الكاتب وعطائه واهتمامهِ هنا ، فهو مؤمن بأنّ الإنسان هو محور الاهتمام ومحطّ التطلعات ، وبالتالي فإننا نرى أن كتاب «صباحكم سُكّر» يفيض عذوبةً لغةً وأسلوبًا وفكرًا مما يجعله جديرًا بالقراءة الممتعة والاستفادة من الحكمة المستنبطة في العديد من المقالات .

فللاستاذ الكريم حسين مهنا اطيب التمنيات بموفور الصحة ودوام التوفيق والمزيد من العطاء والابداع .

 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع الملتقى بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير نأمل ان تعجبكم