عشرة قوانين نحتاجها في مجال الارض والمسكن لتقدم وازدهار المجتمع العربي!
لأعضاء الكنيست العرب
عشرة قوانين نحتاجها في مجال الارض والمسكن لتقدم وازدهار المجتمع العربي!
المحامي د. قيس يوسف ناصر*
مع بدء عمل الكنيست الرابعة والعشرين، هناك عشرة قوانين تخصّ الأرض والمسكن اقترح على أعضاء الكنيست العرب العمل على تمريرها للرقي بالمجتمع العربي عمرانيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا. ومن مشاعر الانتماء والحرص على مصالح شعبنا، أؤكّد استعدادي لتقديم كلّ مساعدة لكتابة هذه القوانين وتقديمها، ومرافقة إجراءات مناقشتها والنضال للمصادقة عليها.
- قانون إلغاء قانون "القومية". قانون القومية يعزّز الاستيطان اليهوديّ على حساب البلدات العربية والمواطنين العرب، وهو بذلك يمهّد لمزيد من المصادرات، وخنق البلدات العربية والسيطرة على الحيّز الجغرافيّ والتخطيطيّ الذي يحتاجه المجتمع العربي للسكن والتطوير. وبالنظر في قرارات المحاكم خلال العامين الأخيرين فقد أصبحت بعض المحاكم تتعامل مع قانون القوميّة كمرجع دستوريّ لإقرار سياسات الترحيل والتخطيط العنصريّ لصالح الاستيطان القوميّ اليهوديّ على حساب وجود ومستقبل المجتمع العربيّ.
- قانون لإبطال قانون "كامنتس" تعديل 116 لقانون التنظيم والبناء. قانون "كامنتس" خلق آليات غير مسبوقة وتعسّفية وغير دستورية لهدم البيوت والترحيل، والملاحقة القانونية لأصحاب المباني غير المرخصة. لا يكترث القانون بضائقة السكن، وتعسّر التخطيط في البلدات العربية، وتقصير دولة إسرائيل في هذا المجال قرابة 70 عاما. القانون يمسّ حتى صلاحية المحاكم واستقلالها اذ يمنع المحكمة من تجميد أوامر الهدم إلّا إذا توفّرت شروط تعجيزيّة لا ينطبق أغلب هذه الشروط على الأغلبيّة الساحقة من المباني غير المرخصة في البلدات العربيّة. يهدف القانون المقترح الى ابطال هذه المناحي غير الدستورية وعوضا عن ذلك توفير منظومة قانونية معتدلة ومنطقيّة للتعامل مع مخالفات التنظيم والبناء.
- قانون لإبطال أحكام الغرامات الإداريّة لمخالفات التنظيم والبناء. تطبيقا لقانون "كامنتس" تم تصنيف مخالفة التنظيم والبناء على أنّها "مخالفة إدارية" (شبيهة بمخالفة مرور!) دون الاكتراث للجوانب الإنسانية والاجتماعية لهذه المخالفة، وأنها ترتبط أيضًا بواحد من أهم الحقوق المتعارف عليها، وهو الحقّ في المسكن. واستنادًا الى تصنيف مخالفة التنظيم والبناء على أنّها مخالفة إدارية، فقد سنّت وزيرة القضاء أييلت شاكيد عام 2018 أحكامًا تخوّل مفتشي الوحدة القطرية والبلديات أن تغرّم المواطنين بغرامات مادية تبلغ كلّ غرامة عن مبنى تتجاوز مساحته 100 مترا مربعا 300 ألف شاقل، وفي حالات معيّنة ترافق هذه الغرامة بغرامة يومية بين 750 شاقل- 1400 شاقل حسب ظروف الحالة. ووفق معلومات حصلتُ عليها، فقد غرّمت الوحدة القطرية مئات المباني في البلدات العربية ليصل مبلغ الغرامات حتى نهاية العام الماضي أكثر من 15 مليون شاقل في غضون 9 أشهر فقط ابتداءً من دخول الاحكام حيز التنفيذ، ولا زالت الوحدة القطرية تطبّق هذه الاحكام يوميًّا في مختلف البلدات العربيّة وتحصد مبالغ طائلة من المواطنين العرب بحجّة البناء غير المرخص.
- قانون الاعتراف بالقرى العربية غير المعترف بها. ترفض دولة إسرائيل حتى اليوم الاعتراف بعشرات القرى العربيّة في مناطق مختلفة، ومنها في المركز كقرية دهمش وقرى بدويّة في الشمال والعشرات من القرى العربية البدويّة في النقب. هذه القرى هي المسكن والمأوى لمئات آلاف المواطنين العرب. تعيش هذه القرى حتى اليوم ومنذ عشرات السنين دون أبسط الحقوق كالماء والكهرباء والشوارع والمدارس العامة. ومن جهة أخرى لا تكفّ الدولة عن هدم البيوت والمباني في هذه القرى بل تجاوزت ذلك إلى محو القرى كقرية العراقيب وأم الحيران وغيرها. القرى موجودة وسكانها أحياء يرزقون ولكنهم في نظر الدولة غير موجودين! والدولة لا تعترف "بوجودهم" في قاموسها "الرسميّ". وعليه، يهدف القانون المقترح الى الاعتراف بهذه القرى وتنظيمها وانهاء معاناة السكان.
- قانون إنهاء التخطيط الهيكليّ للبلدات العربيّة. إجراءات التخطيط العمراني في البلدات العربية مضنيّة وطويلة ومعقدة. يستغرق التخطيط في البلدات العربية منذ مرحلة التخطيط العام ومن ثم التخطيط الهيكلي الشامل وانتهاءً بالتخطيط التفصيليّ (3 مراحل) نحو 25 عامًا مقاربةً. العديد من البلدات العربية لا زال تحت التخطيط ، وما زالت الطريق فيها للحصول على رخص بناء طويلة جدا. إنّ القانون المقترح يستهدف إدخال الخرائط الهيكلية في البلدات العربية الى لجنة خاصة بالبلدات العربية ومتفرغة لإنهاء التخطيط فيها.
- قانون لتمديد قانون التخطيط في المناطق المفضّلة للسكن. على ضوء ضائقة السكن في البلاد على وجه العموم، كانت الكنيست قد سنت قانون مؤقت للتخطيط السريع في المناطق التي تعلن الحكومة عنها أنها مفضلة للسكن والتخطيط العمرانيّ وفق توصية مديرية التخطيط القطرية. وأقرّ القانون مسارا سريعا لتحريك مخططات هيكلية تفصيلية لمئات الوحدات السكنيّة. لقد حرّكت وفق القانون مئات الخرائط السريعة للإسكان في البلاد، وبعض هذه الخرائط في البلدات العربية أيضًا. مع ذلك انتهى مفعول القانون قبل أكثر من عام، وقد أدى ذلك الى توقف العديد من خرائط الإسكان السريع في البلدات العربية والتي اقترحت أحياء سكنيّة جديدة في البلدات العربية. إنّ القانون المقترح يستهدف تمديد فترة سريان مفعول قانون التخطيط في المناطق المفضلة للسكن حتى تتمكّن السلطات المحلّيّة العربيّة والدوائر المعنيّة من تقديم مخططاتها الجديدة، والمصادقة عليها في فترة قصيرة وفق المسار السريع الذي يوفره هذا القانون.
- قانون الحقّ في المسكن. لا يوجد حتى اليوم في نظام القوانين في إسرائيل اعتراف قضائيّ رسميّ بالحقّ في المسكن كحق دستوريّ على الدولة أن تحافظ عليه، وأن تؤمّن الظروف المناسبة لممارسته. حتى قانون أساس: كرامة الانسان وحريته لم يدرج الحقّ في المسكن كحق دستوريّ مستقل للمواطن. إنّ الاعتراف دستوريًّا بالمسكن كحقّ يحمّل الدولة مسؤولية وواجبات، ومنها تأمين هذا الحق بالتخطيط والأراضي والعمران وأنّ الاعتراف بهذا الحق، حسب قرارات المحاكم الدستورية للدول الديموقراطية في العالم، يحظر على الدولة أن ترحّل مواطنا من بيته طالما لا يوجد له بديل آخر للسكن.
- قانون إبطال التمييز العنصريّ في السكن والمعاملات العقاريّة. يعاني الكثير من المواطنين العرب تمييزًا عنصريًا عند توجههم لاستئجار او شراء شقة سكنيّة في مشاريع سكنيّة في بلدات يهوديّة حتى من مواطنين يهود، وذلك حين تمتنع الشركات العقاريّة المسؤولة عن هذه المشاريع وأصحاب الشقق الخاصة أيضًا عن بيعهم الشقّة او تأجيرها لأنهم عرب. بل إنّ هناك مئات البلدات اليهودية التي لا يستطيع المواطنون العرب السكن فيها لأنّها تعتمد نظامًا داخليًّا لا يقبل أن يسكن فيها سوى المواطنين اليهود. إنّ هذا الحظر الذي يسري على المواطنين العرب لا لشيء إلاّ لأنهم عرب، يُعدّ تمييزًا عنصريًّا يتنافى مع مبدأ المساواة ويجهض الحق في حرية الفرد أن يختار مسكنه، ومكان عيشه، وعمله، إضافة إلى حقوق وقيم كثيرة أخرى. يستهدف القانون المقترح إبطال هذا الحظر العنصري وتذليل العقبات التي تقف في وجه المواطنين العرب من جهة السكن وشراء العقارات.
- قانون توظيف المهنيّين العرب في مؤسسات التنظيم والبناء. تدلّ الأبحاث والمعطيات على انعدام مهنيين وفنيين عرب في مؤسسات التنظيم والبناء اللوائية والقطرية. بل إنّه لا يوجد أي فنيّ عربي في لجان فرعية كثيرة للمجلس القطري للتنظيم والبناء، ولا يوجد فنّيون عرب في لجان الاستئناف اللوائية والقطرية، كذلك في أغلب طواقم التخطيط التي توكل اليها مهمة إعداد الخرائط الهيكليّة للبلدات العربيّة. أعني بالمهنيّين والفنّيّين العرب المهندسين والهندسيّين والمخططين والمسّاحين والمصمّمين والمستشارين والقضائيين وغيرهم من مجالات الاختصاص التي ترتبط بالتخطيط العمرانيّ. إنّ اقصاء المهنيّين والفنّيّين العرب من لجان التنظيم والبناء، ومن الدوائر الحكومية المعنية هو مظهر آخر لإقصاء المواطنين العرب عن دائرة القرار في التخطيط الذي يحدد حاضر ومستقبل البلدات العربيّة والمجتمع العربي عامة. إنّ زيادة نسبة المهنيّين والفنّيّين العرب في هذه المؤسسات هو حقّ أساسيّ للمجتمع العربيّ وهو على الصعيد العمليّ يحسّن التعامل من جهة المؤسسات الرسميّة مع مجال التنظيم والبناء في البلدات العربية لِمعرفة المهنيين العرب ثقافة أبناء قومهم واسلوب حياتهم وسكنهم وعلاقاتهم الاجتماعية التي تنعكس أيضًا على التخطيط العمرانيّ الخاص به.
- قانون إشراك الجمهور في إجراءات التنظيم والبناء. حسب قانون التنظيم والبناء لعام 1965 لا يطلع الجمهور على خارطة هيكلية إلاّ عند إيداعها لاعتراضات الجمهور. ومرحلة إيداع الخارطة هي مرحلة متقدمة نسبيًّا في سيرورة تعامل لجنة التخطيط مع الخارطة، بل إنّ إيداع الخارطة يعني مبدئِيًّا أنّ لجنة التخطيط راضية عن المخطط وتعتبره ضروريًّا ومقبولًا إلّا إذا اقتنعت بعكس ذلك بعد سماع اعتراضات الجمهور والجهات المعنيّة. هذا الامر يمس قدرة المعترضين على تغيير المخطط، واحتمالات نجاحهم بإقناع لجنة التخطيط بالعدول عنه. لهذا أخذت لجان التخطيط في العقد الأخير خاصة، وبتوجيه من مديريّة التخطيط القطريّة، أنْ تعقد جلسات لإشراك الجمهور قبل إيداع المخطّط المقترح. ومع ذلك لا تواظب كل لجان التخطيط على هذا الامر، ومنها ما لا يحسن إشراك الجمهور، بل منها ما لا يعتبر اشراك الجمهور واجبًا قانونيًّا ملزمًا، وقد تبنّت المحاكم في بعض القضايا هذا الادعاء السطحيّ وقضت بأنّ اشراك الجمهور حسب القانون هو في مرحلة الإيداع فقط ولا يوجد إلزام قانوني قطعيّ بإشراك الجمهور قبل مرحلة الإيداع وان تقاعس لجنة التخطيط عن إشراك الجمهور قبل التقدم في المخطط لا يؤدي الى بطلان المخطّط ، أو قرار المصادقة عليه. وعليه يهدف القانون المقترح إلى تنظيم حقّ الجمهور بالمشاركة في إجراءات التخطيط والاطلاع عليها، والتأثير عليها في المراحل المبكرة للتخطيط، وإلزام لجان التخطيط بالعمل وفق منظومة واضحة لإشراك الجمهور يتمّ تفصيلها في القانون المقترح.
لا أنفي أنّ مهمة تمرير هذه القوانين وحتى واحد منها هي مهمة شاقّة وقد تكون مستحيلة. مع ذلك أومن بأنّ محاولة تمرير هذه القوانين والنقاش القانونيّ والجمهوريّ الذي سيرافقها في الكنيست وفي الإعلام وفي المؤسسات الاكاديميّة، سيرفع شأن تمييز المواطنين العرب في مجال الأرض والمسكن كملفّ مركزيّ وحارق للمجتمع العربي في البلاد، بل كقضية عامّة وقطريّة ودوليّة تمثّل مكانة الأقلّيّة الفلسطينية في البلاد وتعامل الدولة معها، ولهذه الأمور فائدة كبيرة على المستوى البعيد والعام حتى وإن لم تُقبل هذه القوانين في نهاية المطاف.
*محام وباحث مختص في مجال الارض والمسكن والتخطيط العمراني.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع الملتقى بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير نأمل ان تعجبكم
تعليقات