لأنني غريب في وطني يُشغلني الاغتراب هما وإيقاع حياة!!
عندما احتل بنو عثمان وطننا عاملوا أهلنا بالبطش والتنكيل وحولوا ابناءنا وشبابنا الى مرتزقة يقاتلون ويُقتلون ويُدفنون بعيدا عن الأهل والوطن مرضاة للسلطان وأهوائه وأطماعه.
كان الاغتراب الى القتل والموت اغترابا بمراسيم سلطانية!! هذا الاغتراب أفرز اغترابا دفع بالكثيرين بعيدا عن الوطن سعيا وراء اللقمة والأمن والأمان.
لم يهرب أجدادنا وأجداد أجدادنا طلبا لمتعة أو بحثا عن قصر بديع وزجاجه خمر وسيقان غانية!! كان لهجرتهم في الماضي السحيق أكثر من مبرر وأكثر من سبب: الحروب والاستعمار العثماني الظالم والانتدابان الفرنسي والبريطاني ومع هذه البشاعات لا ننسى سطوة العملاء المتعاونين المستبدين من أبناء الوطن في ترسيخ وتوطيد أطماع الأجانب في وطن الأنبياء على حساب أبناء قومهم!! بفعل هذه السطوة وهذا التعسف تكون جيل من الشباب الطموحين غير الراضخين للذل فوجدوا أنفسهم خارج الوطن.. لم يهاجروا طلبا للرزق بل دفاعا عن مبادئ حرية آمنوا بها وتعذرت عليهم في الوطن لشدة ما عانوه من تنكيل وتعذيب!!
لم تتوقف هجرة الأهل بانتهاء هيمنة المستعمرين بل باتت حالة طبيعية لكثيرين أفرادا وجماعات يشدون الرحال نحو أصقاع بعيدة عن الوطن ليعيشوا غربة دائمة تقوم على آهاتهم ودموعهم بعدما كوتهم الهجرة واقتلعتهم لترمي بهم في مجاهل الشتات والمهجر!!
في المهجر يعتاد الواحد منهم على ذكر الوطن كفكرة أو صورة أو أكلة أو حفنة تراب في زجاجة أو مفتاح بيت أو أغنية تراثية!!
هكذا يمسي الوطن صديقا لهم في دنيا الاغتراب!!
يحاول البعض العودة كي لا يخلو الوطن من أهله.. يحاول الواحد منهم العودة زائرا الى بلاده ليرى انه لم يتغير شيءٌ فيه ولم يتبدل حاله فتزداد أقدامه رسوخا في تربة بعيدة عن تراب الوطن!!
لا تستطيع كل قصائد الحنين ولا أغاني المطربين استدراج مهاجر واحد للعودة طالما العفن والتعفن يحيطان بنا في مشرق عربي تتدفق في عروقه الأحقاد وعنتريات التعصب الطائفي!! نحن أمة بلا حركة وهذا يعني أننا لا شيء!!
سيبقى الوطن كمريض ملقى على سرير تأكله قروح الظهر وبثور الصديد!!
ما يحدث في أوطاننا يجعل أبناء الوطن المهاجرين الهاربين في تزايد دائم خارج بلاد مصابة بالضمور!!
نريد وطنا بلا قروح وبلا بثور.. فيه يلتم شمل أزهارنا اليانعة المنتشرة في حقول الغربة لتعود الى الوطن ملامح الفرح والعافية ومواسم الخير!!
إن تعذر التغيير سنبقى مرددين مع جبران خليل جبران:
"أنا غريب في هذا العالم.. أفكر في وطن سحري لا أعرفه.. أنا غريب وسأظل غريبا حتى تخطفني المنايا".

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع الملتقى بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير نأمل ان تعجبكم