ما نقصَ مِنْ حياةِ ميريل

(أبكي مع الأبِ الثّاكل إبراهيم طعمة وزوجتِهِ وأهلِهِ وعائلتِهِ لوفاةِ ميريل ابنةِ الأربعةَ عشرَ ربيعًا)

الآنَ، وبعدَ أنْ طالَ ثورانُ البركانِ في القلبِ الثّائرِ، وبعدَ أنْ رفضَ أنْ يهدأَ، ولو قليلًا، لكي أستطيعَ أنْ أكتبَ سطرينِ عن وجعيَ الدّامي، وبعدَ أنْ ظلّتِ المشاعرُ تنزفُ في القلبِ دمًا، وفي العينِ دمعًا، وبعدَ أنْ انكمشَ العقلُ، و" أخذَ على خاطرِهِ" لأنَه شعرَ بالإهانةِ، فلا اعتبارَ له في هذهِ البلوى، فالعاطفةُ سيّدةُ النّفوسِ، وسيّدةُ المكانِ، الوقوفَ والجلوسَ؛ الآنَ، وبعدَ أنْ نفدَ صبري من استردادِ العقلِ لبعضِ مكانتِهِ المعهودةِ، سأحاولُ الكلامَ، رغمَ تدفُّقِ الحممِ الملتهبةِ من جوفِ البركانِ.

يتنكّرُ الموتُ قابضُ الأرواحِ بلباسِ سائقِ سيّارةٍ يتربّصُ بأجملِنا وأنبلِنا وأطهرِنا وأطيبِنا، ميريل، يتابعُها مِنْ مَفرقٍ لمفرقٍ، من منعطفٍ لمنعطفٍ، من شارعٍ لشارعٍ ومن شارةٍ لشارةٍ، يُشغلُها بكلِّ شيءٍ إلّا روحَها الفَتيّةَ، يُلهيها بكلِّ تافهٍ حقيرٍ عن شأنِ روحِها النّفيسِ الكبيرِ. وتنطلي الحيلةُ على ضحيّةِ القدرِ؛ لقد خدعَكِ الموتُ يا ميريل وأَرداكِ قتيلةً.

إنَّ جرحَكِ الذي نزفَ على الشّارعِ يا ميريل، جفَّ وانقطعَ سيلانُهُ، ولكنَّ الجرحَ في قلبي، قلبِ والديكِ، قلبِ محبّيكِ، وفي قلبِ مدرستِكِ لا يتوقّفُ يا ميريل. كلُّ ألمٍ يذكّرُني بألمي، وكلُّ حزنٍ يثيرُ حزني، وكلُّ دمعةٍ تُدِرُّ دمعَ عيني، كلُّ ابتسامةٍ تخطفُ وجهَكِ الباسمَ من أمامي، كلُّ حُلْمٍ يطرُدُني منْ نومي، وكلُّ ليلٍ يُلهِبُ مواجعي، ويثيرُ البركانَ في أعماقِ المحبّينَ.

أيُّها المشاركونَ في العزاءِ، لا تتركوني وحيدًا أمامَ مصيبتي، فأنا لا أقوى على الوقوفِ إزاءَها مُنفردًا، هولُها أقوى من صبري، ومِنْ تحمُّلي، ومِنْ تَمالُكِي لنفسي، لا أريدُ الانهيارَ أمامَ عنفوانِها، ولا الاستسلامَ لكآبتِها، لا أريدُ الخضوعَ لسوادِها فيطغى على روحي، وأنا المُحبُّ للحياةِ، والمتسلّحُ بالأملِ، والمؤمنُ بالخيرِ الذي لا ينقطعُ رغمَ انتصارِ الشّرِّ المؤقّتِ، ورغمَ شُحِّهِ في السّنواتِ العجافِ.

أيُّها المُعزّونَ، إنّ وجودَكم قربي، في هذه الأيّامِ، يعينُني على مصيبَتي، يُؤازرُني في ضعفي، ويَسندُني حينَ تتقاذفُني أعاصيرُ الألمِ وعواصفُ الحزنِ، وهو يُقوّيني على نفسي، فلا تنفضّوا من حولي على عجلٍ، فإنَّ جبيني يحتاجُ إلى أكتافكم، وإنّ أكتافي تتوقُ إلى أكفِّكم تربّتُ عليها بكلِّ حُنُوٍّ، وبكلِّ حبٍّ.

يا أترابَ ميريل، يا رفاقَ دربِها وفرحِها وحلمِها، لا تنقطعوا عن قلبِ العائلةِ النّازفِ، أحيطوها ببؤبؤ العينِ، وشهدِ اللّسانِ، وشذى المحبّة، فكلّكم أبناءُ العائلة، وكلُّ فردٍ فيكم هو ميريل، فدعوها تسيرُ على رمشِ العينِ، وعلى شغافِ القلبِ، انشروا أنفاسَها بعبيرِكم، وانثروا حضورَها بحضورِكم.

اليومَ أبكي بينَكم على فراقِ ميريل، يا جابري خاطري المكسورِ، يا سندَ الرّوحِ، ويا عمادَ المشوارِ العاصفِ والجارفِ والنّازفِ. لكنَّ في قلبي بصيصًا من الأملِ، لا أستطيعُ الحياةَ بدونِهِ، أنْ تعوّضَني الحياةُ في نجاحِكم، وفي فرحِكم، وفي سعادتِكم، عن ميريل. وكلّي أملٌ، أنَّ ما نقصَ من حياةِ ميريل، بكلّ ما فيها من خير، يزيدُ في أعمارِكم، وفي حياتِكم، وفي مستقبلِكم.

أخوكم

إياد الحاج

12/7/2021

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع الملتقى بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير نأمل ان تعجبكم