ماذا ينتظر مسيحيي سوريا في المستقبل القريب؟
ماذا ينتظر مسيحيي سوريا في المستقبل القريب؟
زياد شليوط
منذ أن تم استبدال بشار الأسد بأحمد الجولاني على رأس الحكم في سوريا في الثامن من ديسمبر 2024، بتخطيط أمريكي ومساهمة عدة دول وأطراف، وهذا يحتاج لمقال آخر، تم تسليط الضوء على مسيحيي سوريا بشكل ملحوظ، مما يؤمد أن ذلك كان مقصودا وله أبعاد ورسائل سوف أتطرق إليها في هذا المقال، من أجل إزالة الغشاوة عن عيون الكثيرين.
بداية لا بد من الاتفاق -وهذا بات معروفا ومكشوفا- أن الثقل الأكبر في المواجهات والصراعات والحروب الحديثة يكون للإعلام وخاصة الاعلام المشوّه والمجنّد، والذي يعمل بتنسيق تام وبمهنية عالية مع أصحاب النفوذ والمال والقوة. وهذا ما شهدناه طوال الأعوام الاثني عشر التي مرت على سوريا في نشر الأكاذيب من خلال أفلام مفبركة ومختلقة لشيطنة نظام الرئيس بشار الأسد، وقد سجلت تلك الحالات نجاحات أدت إلى ابتعاد الكثيرين عن تأييد ذلك النظام والتحول إلى عدو له، تحت تأثير تلك الأفلام والأخبار المختلقة والمسيئة للرئيس ونظامه.
وعند إتمام المؤامرة الدولية على النظام السوري الشرعي بقيادة الأسد، والنجاح في إسقاط الدولة السورية (وليس النظام) في أيدي الجماعات الإرهابية المتطرفة، التي تحولت بين ليلة وضحاها إلى فرق من الملائكة – سبحان الله- بإرادة أمريكية – أوروبية، استمر الخداع الإعلامي في نشر الأفلام والمشاهد "السينمائية الهوليودية"، ومن خلالها تم استلاب العقل والمنطق في الحكم على الأمور، ولم يعد يرى الناس العاديون إلا مشاهد سجن صيدنايا وما ينتج عنه من أساطير التعذيب والقتل بشكل مضخّم ومبالغ فيه، حيث تبين أن العديد من الصور أخذت من مواقع أخرى وفي سنوات سالفة، هذا لا يعني أنه لم تكن هناك سجون وتعذيب وانتهاك لكرامة الموقوفين والسجناء. وهل تخلو دولة أو نظام من هذه الآفة، وقد كشف لنا السيد المسيح – له المجد- عن ذلك قبل ألفي سنة حين واجه المارقين الذين أرادوا قتل زانية رجما بالحجارة قائلا لهم "من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر".
واستمرارا للخدع الإعلامية عمل الحكم الجديد في سوريا على اظهار نفسه المدافع عن المسيحيين في سوريا أمام الأخطار التي تحيق بهم، ومن أجل ذلك افتعل حريق شجرة الميلاد في أحد المواقع وقام في اليوم التالي باعادة نصبها واضاءتها في حركة سينمائية واضحة. والسؤال هنا لماذا لم يتم احراق شجرة الميلاد إلا في موقع واحد؟ ولماذا هذه السرعة في إعادة الشجرة الى ما كانت عليه؟ ولماذا حصل ذلك التصوير الذي تناقلته معظم محطات التلفزة، ولماذا ذلك الاهتمام الإعلامي الكبير والواسع والمتمثل في اجراء لقاءات مع رجال الدين المسيحيين، كما حصل مع الفنانين من قبلهم؟ إن من يتأمل في تلك الأسئلة ويطرحها على نفسه وعلى الآخرين بجرأة وشجاعة يصل الى استنتاج واحد وهو أن السلطة الجديدة، تعمل بأوامر أمريكية، وهذا جاء في تصريحات مبكرة منذ اليوم الأول بأن أمريكا حذرت السلطة الجديدة من المس بالأقليات، وهذا ما كشف عنه أسقف مسيحي في مقابلة تلفزيونية بأن تطمينات أمريكية وصلته مباشرة عشية إسقاط الدولة السورية. والأنكى من ذلك نقل احتفالات الميلاد والمسيرات الشعبية والكشفية بشكل مبالغ به على وسائل الاعلام، وكأن المسيحيون يحتفلون بالأعياد الميلادية لأول مرة في سوريا، ولم يكونوا يحتفلون بها في ظل حكم الأسد؟ أليست كل تلك المظاهر مهزلة كبيرة مفضوحة؟ هل يمكن تغطية السماوات بالعماوات؟ هل يمكن تغطية شمس الحقائق بغربال الأكاذيب؟ من منا لم يتابع نقل الاحتفالات بالأعياد والمناسبات المسيحية المختلفة وبتوسع سواء من داخل الكنائس أو خارجها، في عهد الحكم السابق؟ ألم يتمتع المسيحيون –أسوة بأبناء الطوائف الأخرى- بالحرية الدينية وممارسة الطقوس والصلوات وإقامة الاحتفالات؟ لماذا يتم الترويج للأكاذيب في محاولة لمحو ذاكرة الناس بهذه البساطة؟ ألم يكن الأساقفة في كنائسهم يوجهون التحية للرئيس الأسد ويهنئونه بالعيد، ويطلبون من الله أن يحفظ الوطن ويحفظ القائد؟ كيف يصبح اليوم الجولاني هو "القائد والسيد الرئيس"، في رسائل الأساقفة المسيحيين؟ حقا إننا بتنا في عصر النفاق المفضوح.
إلى جانب ذلك، تهدف "الزفة الإعلامية" الكبيرة والمستمرة في الفضائيات المشبوهة والمتساوقة مع المخططات الغربية أسوة بأنظمتها الرجعية، إلى التغطية عما يجري في المدن والبلدات التي يسكنها المسيحيون من اعتداءات وتعديات وإهانات للرموز الدينية وللمواطنين العاديين، بعيدا عن كاميرات تلك القنوات وحظرا لأي تصوير بأمر من السلطات، وهذا ما يجري أيضا في المناطق التي يسكنها العلويون. إن اعلان الحاكم الجديد لسوريا بأن الدستور لن ينجز قبل أربع سنوات، يعني أن البلاد ستبقى في حالة من الفوضى وممارسة التعديات على الأقليات وفي مقدمتها المسيحية المستضعفة طوال الفترة القادمة. وما يثبت ذلك ما صرح به أحد الأساقفة المشاركين في لقاء القيادات الدينية المسيحية مع الجولاني، الذي عبر عن مخاوفه وعن شكوكه وقلقه لأنه لم يسمع ما يطمئن القلوب والنفوس!
فالسؤال الكبير الذي يطرح اليوم: ماذا ينتظر مسيحيي سوريا في الفترة القادمة؟ من الواضح أن المؤشرات بمعظمها سلبية، وعلى الجماعات المسيحية أن تعقد لقاءات فيما بينها، لرسم معالم المستقبل القريب ووضع مخططات نهج حياة لهذا المستقبل كما يرون بأنفسهم، لأنهم هم أدرى بحالهم وواقعهم، وأن يسيروا بثقة على درب معلمهم الأول السيد المسيح – له المجد- الذي وضع دستورا للإنسان المسيحي سواء في خطبة التطويبات أو في غيرها وأن يقدموا "ما لله لله وما لقيصر لقيصر"، ولا يضعوا كل ما يملكون لخدمة القيصر من منطلق الخوف والرعب، فقد هتف السيد المسيح على مسامع تلاميذه قائلا: "لا تخف أيها القطيع الصغير" (لوقا 32:12)، وتبقى وصيته الخالدة باتباع طريق المحبة سواء مع الصديق أم العدو.
(شفاعمرو – الجليل)
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع الملتقى بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير نأمل ان تعجبكم
تعليقات