محامون من أجل إدارة سليمة”: قراءة أولية لنتائج الانتخابات المحليّة

 

بعد تأجيل لمرتيّن، بسبب حالة الحرب في البلاد، أجريت أمس الثلاثاء (27.02.24)، الانتخابات لرئاسة وعضوية السلطات المحليّة، والّتي بطبيعة الحال لها تبعات وتأثير كبير على إدارة السلطات وعملها في السنوات الخمس المقبلة، وعلى حياة المواطنين ومستقبلهم.

شهدت ساعات التصويت الأولى إقبالًا ضعيفًا على الصناديق في بعض البلدات، إلّا أن الصورة أخذت تتغير مع اقتراب ساعات المساء. باستثناء بلدات قليلة، شهدت غالبية السلطات العربية نسب تصويت مرتفعة (بعضها مرتفعة جدًا) مقارنة بالنسبة العامة في البلاد، الّتي تراوح ال50%. قرى وبلدات عربية تصدرت قائمة السلطات الأعلى تصويتًا، بنسب تفوق ال90%!

 

تغيير في غالبية السلطات؟

حسب النتائج الأولية، تغيّر رؤساء 42 سلطة محلية عربية (من أصل 85)، من بينهم 9 رؤساء كانوا قد أشغلوا المنصب في فترات سابقة. وقد تفرز الجولة الثانية، المتوقع إجراؤها في 19 سلطة، في العاشر من آذار، عن انتخاب عدد إضافي من الرؤساء الجدد.

هذا التغيير له تبعات إدارية كبيرة في تلك السلطات، بما في ذلك تغييرات في تعيين النواب، ومناصب وظيفية أخرى مثل مدير عام السلطة، مساعد الرئيس وآخرين. إضافة إلى تغيير في برامج وخطط العمل.

رغم تبدل الأشخاص والأسماء، الصورة بالمجمل بقيت على حالها – الانتخابات ارتكزت في الكثير من السلطات على التكتلات والاصطفافات العائلية. قلة قليلة من القوائم طرحت نهجًا غير عائلي وعرفت نفسها بالمستقلة. قسم منها نجح في الحصول على تمثيل في مقاعد العضوية.

بخلاف الانتخابات السابقة، كان لافتًا ترشح متنافس وحيد في 7 سلطات عربية.

نتائج متقاربة واستئناف على النتائج

النتائج في بعض السلطات حتى الآن متقاربة جدًا، وقد تتغير بعد فرز أصوات “المظاريف المزدوجة”، من مرضى ومساجين ومجندين في الجهات الأمنية المختلفة. بعض السلطات ربما تذهب لجولة ثانية بعد فرز هذه الأصوات.

النتائج المتقاربة تفتح “شهية” البعض بمحاولة الطعن في النتائج والاستئناف عليها – وهذا من حق المرشحين. يحق لهم الاستئناف للمحكمة المركزية خلال أسبوعين من صدور النتائج. في غالبية الحالات يتم رد تلك الاستئنافات، وفي حالات استثنائية يتم قبولها وقلب النتيجة، أو إعادة الانتخابات.

حبذا لو يمارس هذا الحق بتروي وحكمة، بعيدًا عن المناكفات الحادة والتحريض.

الجولة الثانية وبدعة التناوب

الانتخابات للرئاسة ستعاد على مايبدو في 19 سلطة عربية، بين المرشحين اللّذان حصلا على أكبر كم من الأصوات دون أن يجتاز أي منهما نسبة ال40%.

للأسف، تزيد الانتخابات المعادة في بعض السلطات من حدة التوتر والاصطفافات العائلية، وقد يتطور الاستقطاب لحالات عنف. البعض، لمآرب شخصية، والبعض الآخر من باب الإصلاح ومنع التوتر، يدعون لتقاسم رئاسة السلطة بين المرشحين (من العائلات الكبرى عادةً) لمدة سنتين ونصف لكل منهما، تحت مسمى “التناوب”.

أولًا، القانون لا يعترف بشيء كهذا. الإمكانية الوحيدة هي استقالة الرئيس بعد سنتين ونصف وإجراء انتخابات رئاسية – يحق لكل مواطن التنافس فيها. ثانيًا، وهو الأهم، لهذه الطريقة عواقب إدارية وخيمة على عمل السلطة، حيث لا تحظى بالاستقرار الإدراي المطلوب لعملها، ولا يكون للرئيس وقت كاف ولا مساحة للعمل ووضع خطط وبرامج وتنفيذها، وتبقى السلطة في حالة انتخابات مستمرة.

أضف إلى ذلك أن “التناوب” هو بمثابة التفاف على إرادة الناخبين وتقاسم عائلي مشين للسلطة ومواردها!

 

صفحة جديدة بعد الانتخابات

لاشك أنّ للانتخابات ترسبات وآثار على الجو العام في البلدة، العلاقات بين الناس والنسيج الاجتماعي. الكرة الآن في ملعب الإدارة الجديدة والمتنافسين، إما تغذية الخلافات والتوترات، والمضي في تصفية الحسابات مع المنافسين ومن دعمهم مقابل مكافأة المؤيدين بالعطاءات والتعيينات، أو طي صفحة الانتخابات والعمل لخدمة المواطنين دون اعتبارات سياسية وعائلية.

الظروف الأمنية والاقتصادية الاستثنائية الّتي نعيشها، وحالة العنف بالذات، تستوجب فتح صفحة جديدة والتعاون، عبر شراكات وائتلافات واسعة وغير تقليدية، لما فيه الخير للسلطة المحلية ومواطنيها.

 

مبروك للمنتخبين..باشروا العمل!

كثير من المشاريع، البرامج والمناقصات تعطلت لفترة ليست بالقصيرة، وهذا هو الوقت لمباشرة العمل.

تجربة الماضي، الّتي اعتمدت على المحسوبيات والحسابات العائلية والانتخابية، عادت على بلداتنا بالفشل والتقصير وشح الخدمات.

الأوضاع المعيشية في بلداتنا لا تسمح بالرجوع إلى هذه الأساليب مجددًا، بل تتطلب تغييرات إدارية جذرية، اعتماد الكفاءات والمعايير المهنية والالتزام بأسس الإدارة السلمية ومحاربة الفساد.

جمعية “محامون من أجل إدارة سليمة” تتقدم بالتهنة للرؤساء والأعضاء المنتخبين، على أمل الحفاظ على ثقة الجمهور واحترام القانون والمواطنين. في الأسابيع المقبلة ستعلن الجمعية عن نشاطات وبرامج تعليمية لمنتخبي الجمهور الجدد.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع الملتقى بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير نأمل ان تعجبكم