معروف الفارس الذي انتظره الحصان البريّ
معروف الفارس الذي انتظره الحصان البريّ
هادئُ النّفسِ، مطمئنُّ القلبِ، تشعُّ عيناهُ أَمَلًا، يقطرُ فوه شَهْدًا، وتزدادُ روحُهُ اشتعالًا كلّما حمَلتِ النّسماتُ الشّماليّةُ عطرَ حبِّها. تتوثّبُ ملامحُهُ الدّقيقةُ الصّلبةُ كالسّنديانِ عندما تخطرُ على البالِ، وهلْ غابتْ ساعةً عنِ البالِ؟! تنطلقُ أنفاسُهُ كالحصانِ في البراري تقفزُ فوقَ صخورِها، وتمسحُ الغبارَ عنْ عيونِها بخيالِها، وتجوبُ باندفاعِها آفاقَها الممتدّةَ منْ ميلادِهِ الأوّلِ، إلى ميلادِهِ الثّاني.
علّمْتَنا كيفَ تتجاوزُ الإرادةُ حقائقَ الطّبيعةِ الثّابتةِ، علّمَتْنا كيفَ ترتفعُ الهمّةُ على المنحدراتِ الهابطةِ، علّمْتَنا كيفَ يتألّقُ حضورُنا في المكانِ الذي نعيشُ فيهِ، وكيفَ يتألّقُ حضورُ المكانِ الذي يعيشُ فينا، علّمْتَنا أنَّ وفاءَ المُحبِّ للمحبوبِ يزدادُ عمقًا في ثنايا القلبِ، ويشتدُّ لمعانُهُ في العيونِ مهما أظلمَ اللّيلُ وأُطبِقَتْ على بريقِهِ الجفون.
يومَها لم تشعُرْ أرضُها بخطواتِكَ، ولم يحضنْ فضاؤُها أنفاسَكَ، وافتقدَتْ أعشابُها لمساتِكَ، واشتاقَ مداها لنظراتِكَ، وبردَ قلبُها من حاجتِهِ إلى دفءِ حنينِكَ. يومَها وقفتْ قصيدتُكَ على أطلالِها تبكي لقاءاتِكَ بحبيبةِ العمرِ، بكاءً أحرَّ منَ الجمرِ. اثنتانِ وتسعونَ وردةً أهديتَها لغرورِها وغُنجِها ودلالِها، قطفتَها من حديقةِ روحِكَ العامرةِ بالحبِّ والجمالِ والوفاءِ.
كنّا نرى صخورَها في مواقفِكَ، فنستمدُّ صلابةً لا توصفُ. وكنّا نطربُ إلى تغريدِ عصافيرِها حينَ تُلقي قصائدَكَ، فنعرفُ كيفَ يتحوّل نبضُ الفؤادِ إلى لحنٍ يعصرُنا حزنًا، أو يُرقِصُنا فرحًا. كنّا مشدوهينَ ونحنُ نتابعُكَ تسيرُ على الهواءِ فتصلُ إليها برمشةِ عينِ، تُعطّرُ أنفاسَكَ بشذاها، وتبلّلُ شفتيكَ بقبلةٍ منْها، وتعودُ ضاحكًا، يكادُ قلبُكَ أن يخرجَ من صدرِكَ قافزًا في حلقةِ جلوسِنا حولَكَ، فيشتدُّ فينا حبلُ الانتماءِ الطّويلِ الأصيلِ الجليل.
لقد نَضَحْتَ بكلِّ ما فيكَ، ولم تتركْ في قاعِ إنائِكَ قطرةَ ماءٍ بلّةَ ريقٍ للطّريقِ، فكانَ رحيلُكَ درسًا لنا في العطاءِ، أبقيتَ القيمَ الخالدةَ فينا، وآثرتَ المضيَّ بجسدِكَ الفاني، حيثُ تلقي بِهِ في حضنِها إلى الأبدِ، لا تُفرّقُ بينَكما نكبةٌ أو نكسةٌ أو كارثةٌ، ألمْ تَتُقْ إلى هذا العناقِ أيُّها العارفُ المعروفُ المعترفُ بسرِّ المعرفةِ!
لقد أهديتَ مجتمعَنا كواكبَ منيرةً لا يخبو بريقُها، كوكبٌ نعمةٌ، وكوكبٌ بسّامٌ، وكوكبٌ خالدٌ، فما أكرمَكَ، أنتَ والزّوجةَ الغاليةَ العاليةَ "أم نعمة" ترفعانِ الكواكبَ في مدارِنا، تنيرُ عتمَ الطّريقِ، ببعضٍ من الشّعاعِ الذي بعثتُماهُ فيها.
إقرث حصانٌ برّيٌ شَمُوصٌ عاشَ مُتفرّدًا حرًّا مُنطلقًا في البراري، لم يملَّ انتظارَكَ أيُّها الفارسُ. سيتوقّفُ الحصانُ بعدَ اليومِ عن القفزِ فوقَ الصّخورِ، وعن بلوغِ الأفقِ بسرعةِ البرقِ، لئلّا يُزعجَكَ وأنتَ تسلّمُ روحَكَ في رحابِها، وأنتَ ترقُدُ تحتَ ثراها، لكنّهُ سيبقى يصولُ ويجولُ في رُباها منتظرًا لقاءَ العائلةِ حولَ ولادَتِكَ الثّانيةِ فيها، وهي تضعُ وردةً طالما أحبَبْتَها على قبرِكَ. وداعًا معروف أشقر!
إياد الحاج
كفرياسيف
20/3/2021
استمرارًا لتفاعل قراء موقع الملتقى مع الخدمة التى أطلقها الموقع تحت عنوان اكتب ونحن نعطي صفحة مميز للكاتب
للمساهمة فى تحرير المواد الصحفية وانجاح الموقع ، وتوثيقها بالصور .
عذرا ! لكن موقع الملتقى غير مسؤول عن المقالات المنشورة
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع الملتقى بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير نأمل ان تعجبكم
تعليقات