نجمُ خليلٍ ودربُ التّبّانةِ

في أواسطِ سبعيناتِ القرنِ الماضي لمعَ نورُ كوكبةٍ منَ النّجومِ الباهرةِ، بعضُها في سماءِ شعبِنا، وبعضُها في سماءِ بلدِنا، فقدْ كانتْ مرحلةً حُبلى بالأحداثِ وصنّاعِها وقادتِها، فأفرزتْ لنا انتصارَ جبهةِ النّاصرةِ التّاريخيّ (1975)، ويومَ الأرضِ الخالدِ (1976)، وبناءَ الجبهاتِ المحليّةِ التي كانتْ نواةَ الجبهةِ القطريّةِ للسّلامِ والمساواةِ (1978)، وقد شكّلت هذه الإفرازاتُ معالمَ المرحلةِ القادمةِ.

وفي كفرياسيفَ شكّلَ نخبةٌ من شبابِها الوطنيِّ التّقدّميِّ المتنوّرِ "لجنة اليوبيل الأهليّة" للاحتفال بالذّكرى الخمسينَ لتأسيسِ مجلسِها المحليِّ، والتي حلّتْ في العام 1975، وشرعتْ بتنفيذِ مختلفِ الأعمالِ التّطوّعيّةِ لتطويرِ البلدِ، والتّعبيرِ عن الانتماءِ العميقِ إليها، وترجمةِ محبّتِها بالعملِ النّافعِ للنّاسِ، وكانَ خليلُ إبراهيم كرينّي من وجوهِها الجميلةِ.

وقد تعزّزتْ صورةُ خليلِ المعطاءِ والمضحّي الذي يؤثرُ المصلحةَ العامّةَ على مصلحتِهِ الخاصّةِ، بعدَ انتصارِ جبهةِ كفرياسيفَ في العام 1979، هذه الجبهةُ التي جسّدَتْ التّلاحمَ الشّعبيَّ، والعملَ الجماعيَّ، والتّحرّرَ من بقايا مفاهيمِ طبقيّةِ الإقطاعِ، التي صنّفّت النّاسَ كملّاكينَ لهم النّفوذُ وعمّالٍ في الأرضِ مهمّشينَ، كما جسّدَتْ بناءَ مجتمعٍ من أفرادٍ متجانسينَ بوحدةِ الأهدافِ الجماعيّةِ، لا منْ مجموعةٍ منَ العائلاتِ والطّوائفِ المتناحرةِ، كما أرادتْ لنا السّلطةُ الحاكمةُ. وكانَ خليلُ من المؤسّسينَ لهذا الإطارِ ولهذهِ الأفكارِ.

لقد شهدْنا لمعانَ هذه النّجومِ، وقدْ تغلغلَ شعاعُها في عيونِنا، وفي عقولِنا، وفي قلوبِنا، أناروا لنا عتمَ الطّريقِ، مُرتقينَ إلى العُلا كالنّجومِ، تهبُ نورَها كلَّ صباحٍ، وكلَّ مساءٍ، للجميعِ بالمجّانِ، فكيفَ لا يشكّلونَ نماذجَ تُحتذى للأجيالِ الصّاعدةِ، وكانَ نجمُ خليلٍ ساطعًا بينَ تلكَ الكوكبةِ.

خليلٌ قرينُ العملِ، أينما صادفتَ عملًا نافعًا وجدْتَ خليلًا، يرفعُ جدارًا، أو يُعبّدُ شارعًا، أو يثبّتُ أساسًا، أو يَسقفُ بناءً، أو يَحلُّ خلافًا، أو يوفّقُ أهلًا، أو يُقنِعُ جارًا بالسّخاءِ ببعضِ حاضرِنا حتّى نكسبَ مستقبلَ أبنائِنا، ولولا ذلكَ الدّورُ الطّليعيُّ المتنوّرُ لظلّتْ كفرياسيفُ غارقةً في غياهبِ الماضي.

لقدْ مثّلَ خليلٌ صورةَ القائدِ الجديدِ، الذي لا ينفصلُ عنِ النّاسِ، يعيشُ بينَهم ويحملُ همَّهم، يخدمُهم ويَحلُّ مشاكلَهم، يُعطي من نفسِهِ، ومن جهدِهِ، ومن جيبِهِ، ومن فكرِهِ، ومن حبِّهِ، من أجلِ مصالحِ النّاسِ العامّةِ، فكانّ خليلٌ بسمةً على وجوهِ النّاسِ، وثقةً بالمستقبلِ في قلوبِهم، وأذنًا مُصغيةً في حوارِهم، وفرحةً عارمةً في قلوبِهم.

لقد كانَ طيّبُ الذّكرِ الرّفيقُ نمر مرقس، رئيسُ مجلسِنا المحليِّ الأسبقِ، يكرّمُ المساهمينَ في العملِ التّبرّعيّ في القريةِ، مُسميًا إيّاهم: أبطالَ العملِ التّبرّعيِّ، وكانَ على رأسِ هؤلاءِ بطلُ أبطالِ الأعمالِ التّبرّعيّة، خليلٌ إبراهيمُ كرينّي. لقد ارتقى نجمُ خليلٍ في النّصفِ الأوّلِ من سبعيناتِ القرنِ الفائتِ، ومنذُ ذلكَ الوقتِ لم ينفكَّ عن الإنارةِ، هذه النّجومُ تظلُّ مضيئةً إلى الأبدِ بفعلِ عناصرِ الخيرِ فيها.

  • المعطائينَ من أمثالِكَ يجبُ أنْ تُخلّدَ أسماؤُهم فوقَ مداخلِ مؤسّساتِنا، وفوقَ شوارعِنا، وفي كتبِنا وصحفِنا ومجلّاتِنا ومواقعِنا ووسائلِ إعلامِنا، كما نخلّدُهم في وجدانِنا، وضميرِنا، وهُويتِنا الوطنيّةِ والقوميّةِ والإنسانيّةِ. سيبقى نجمُ خليلٍ كريّني ساطعًا كأبرزِ النّجومِ في دربِ التّبّانة التي يعجزُ حسابي لعمرِها، الذي يتجاوزُ ملايينَ الملايينِ مِنَ السّنواتِ الضّوئيّةِ.

إياد الحاج

كفرياسيف

6/7/2022

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع الملتقى بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير نأمل ان تعجبكم