علمتني ولم اتعلم بها...
تفيّأت ولم اتفيأ مع من تفيأ في ظلال رحابها..
والسؤال: أيجوز لي استهلال كلماتي هذه بهكذا متناقضات؟!
ارجو ألا يمتطي قارئي صهوة جواده ليهرب من كاتب يخلط النفي بالايجاب، أو الايجاب بالنفي!!
كيف يحدث هذا أن نتعلم ولا نتعلم في لحظة واحدة وفي زمن واحد؟!
كان ذلك في القرن الماضي يوم اختارتني وزارة التربية والتعليم أن أكون مُمتحنا في "بجروت" الانجليزية الشفوي لطلاب الثواني عشر في مدرسة "يني" الكفرساوية.كم سعدتُ بلقاء المربية أولغا خوري مدرسة الانجليزية.. وكم ازدادت غبطتي عندما التقيت طُلابها وتحديدا طالبتين لامعتين لأسمع منهما كل على حدة لغة انجليزية على اختلاف ما اعتدت سماعه في مدارس اخرى!!
طالبة اسمها (اليانور)، واخرى اسمها"أمل".. ان قدرة او مقدرة الفتاتين في التعبير الاجنبي جعلتني أعوم عكس التيار التقليدي في طرح الاسئلة واختيار مناهج جديدة لنوعية اسئلتي:
سألت (أمل) عن جيفارا .. سألتها عن مارسيل خليفة .. فأجابت ببالغ الثقة والتمكن والبراعة لأجد ثقافة الوطن تتدفق بيانا وصوابا .. وعند دخول (اليانور) غُرفة الامتحان اعتمدت ايقاع اسئلة جديدة لم أعتد طرحها على طلاب آخرين .. فاسمُ عائلة (اليانور) جاء من رحم المجوهرات .. وتدفق الكلام من بين شفتي ابنة (آل صايغ) لؤلؤا نادرا وذهبا خالصا.
"أمل" هي أمل مُرقس : فنانة فلسطينية على مستوى العالم القريب والبعيد هنا وهناك ... أما (اليانور) فهي البروفيسورة (الاستاذة) الباحثة في علم اللغات اي اللسانيات في جامعة "بار ايلان".
من أثداء مدرسة" يني" رضع طلابنا حليب المعرفة .. من طلابها ومعلميها تعلمت الكثير الكثير .. من لقاء هكذا طلاب وهكذا مربية اعتمرت تجارب جديدة ... من رحم تجربتي هذه نمت بين يديّ أجنة صقلت ما لدي من معرفة وأساليب تدريسية.
تكررت تجربتي هذه في هذه المدرسة، عندما دعاني مدرس اللغة العربية الاستاذ اياد الحاج، لألتقي طلابه في دورة الابداع الكتابي.. من هكذا استاذ وهكذا طلاب تعلمت الكثير الكثير، أما التجربة الثالثة كانت تلك التي غردت عنادلها على شرفتي، يوم دق باب بيتي الاستاذ ابراهيم الحاج، مدير المدرسة في حينه،برفقة مستشارة المدرسة المربية عنان توما حزان، والاستاذ اياد ... جاؤوني مع درع تقدير لمشاركتي في رعاية المبدعين الصغار.
هذه هي مدرسة " يني" بجلالها وجلال معلميها وخريجيها وطلابها.. في عيدها هذا أُضيْ لها الشموع وأرفع الصلوات لتبقى ايقونة جليلة جليلية ودفيئة على أرضها يشمخُ مستحقو الحياة ... "على هذه الارض ما يستحق الحياة" طيب الله ثرى مبدعنا محمود درويش خريج هذه المدرسة السامقة العريقة.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع الملتقى بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير نأمل ان تعجبكم