هيفيستوس

(هيفيستوس- إله الحدادة والنار في الأساطير اليونانية)

 

وحدث حين ضاقت بيّ الدنيا

وزادت مآسي الحياة

خلعتُ عني عباءة الرياء

وابتسامة أحملها بشقاء

وامتطيت الريح تاركًا مطامع الفناء

لم أسأل ولم أبالي بالدرب الذي أسلكه

فحيث الطيور ذاهبة أذهب

شمالاً أو جنوبًا

حتى كدت من التعب أقرب

فنزلت عن صهوتي ومشيت

ناحية الجُب وبالقرب

من ضوء القمر

فاختليت بنفسي تحت شجرة كانت هناك

فارعة عارية بلا أوراق أو ثمر

جلست وحدي أرخي بدني

من عبئ الترحال والشوق للوصال

أحدث نفسي بنفسي في الخلاء

لا ضوضاء تعكر صفوي

ولا صوت ألم أو بلاء

وبعد حين سمعت في البعيد

ضرب الحديد.. كأنه برق أو مطر

وحيث الصوت ذهبت

مرتعبًا حائراً.. متشوقًا للذي سأراه

ومع اقترابي شاهدت رجلاً

أو شيئا ملتفًا حول نفسه

دنوت منه وألقيت عليه السلام

بخوف ووجل..

التفت إليّ وقال أجل

وكان شيئاً مريبًا وضعيفًا في آنٍ معًا

أو رجُلٌ معجونٌ من نار

بلا شكلٍ أو هيئة

فخطوت خطوة للوراء

وسألته من أنت؟

قال أنا هيفيستوس ابن هيرا

وقاتل أبي

وحينها لم أعلم ماذا حلّ بي

كأني أفرّ هارباً

لكنني ظللت متحجرا مكاني

فاقترب ببطء متكئاً على ذاته

وقال باستهزاء:

أنت.. مَن؟ ولماذا لم تهرب كالآخرين؟

كل من رآني هرب

وعني ذعر ونفر

ومن مكاني لبست ابتسامتي المعهودة

لكي أخفي خوفي

وأحفظ ما في عروقي من دماء

فقال: تعال بجانبي يا صديقي

فأنا أصنع من ناري فأساً جديد

الحدادة مهنتي ولعنتي

ورثتها عن أبي وأمي

كما زوجتي الخائنة اللعوب

وهنا ومنذ ألف ألف عام

أمكث وحدي بين ركام الحروب

أتحاشى الناس وآلهة السماء

وذنب والدي العنيد

لا تؤنس وحدتي سوى مطرقتي وناري

ألهو بهما في الخفاء...

فأخبرني عن نفسك

وماذا تفعل في هذه الأرجاء؟

وعمّا تبحث هنا ولما تجوب؟

فقلت وبعد أن جلست مطمئنًا عل حجر

أنا ابن الإنسان وإن لم أكن كباقي البشر

وقد أكون مثلك يا صديقي

هاربًا من لعنة القدر

لكن لا آلهة تطاردني

ولا فعلٌ يؤنبني

ولم أكن أبداً أهاب الغيوم والمطر

أما هروبي قرارٌ واختيار

من أشباه ناس تقتصني

وتحكم بالسيف والسوط

ما تسمع بالصوت وتراه بالصور

وعيونٌ ملأها حقدٌ نفاقٌ ورياء

إلا أن ملاكًا يلاحقني أينما ذهبت

لهُ في الخَلق مفاتن

وفي الخُلق محاسن

بعيداً عنيداً يتلذذ بشقائي

ويتنصل من الشوق والدعاء

كلانا هاربٌ يا رفيق الخلاء

لك فأسٌ فاصنع لي سيفًا

واغمد النصل في صدري

علّني أنال الرجاء.

-

 

جورج اندراوس

كفرياسيف

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع الملتقى بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير نأمل ان تعجبكم