يا أرز ما يهزك ريح .. سداسية سيدة تحدت القدر وانتصرت
زياد شليوط
لم أكن يوما من المؤيدين للمثليين، ومنذ البداية رفضت وجودهم. لكن أدركت فيما بعد، انه لا يمكنني الغاء وجودهم من المجتمع. رغم ذلك لم أتعاطف معهم وكنت أتحفظ منهم ومن حضورهم. 
بعد ذلك أيقنت أنه لا بد وأن أفهمهم، فهم لم يختاروا قدرهم (على عكس ما كتبه أحدهم يعير آخر: هل تقبل أن يكون ابنك مثليا؟)، وليس لذويهم من سلطة جنسوية عليهم. ورغم ذلك لم أتخذ موقفا
 صريحا وقاطعا من هذه الفئة، الى أن.. إلى أن فوجئت بالانفجار الكبير الذي هزّ مجتمعنا، وجعل الناس في تخبط وحيرة وقلق، وزعزع ثقة المؤمنين والمتدينين بأنفسهم، فأخذوا يضربون ذات 
اليمين وذات الشمال دون وعي أو هداية. وانفلت عقال الطائفية من رؤوس الموتورين بحجة دعم شركة "طحينة الأرز"، لجمعية نسوية تشغل خط أمان للمثليين.
يبقى الموقف من المثليين خاضعا للنقاش. لكن ما أثارني واستفزني هو التصعيد الطائفي الخطير الذي يهدد وحدة شعبنا ومستقبله، وحملة المقاطعة المستهجنة ضد "طحينة الأرز" العربية.
 ان الدرك الذي وصل بالبعض الى اصدار احكام مسبقة تحمل نعرة طائفية مقيتة، يجب أن يضيء أمامنا الضوء الأحمر، وعدم السكوت على هذا الانزلاق الخطير الذي يجرنا اليه البعض.
 وما يهمني في هذه الوقفة تقديم صورة واقعية عن السيدة جوليا زهر، صاحبة مصنع "الأرز" للطحينة، والتي تعرفت اليها قبل ثلاث سنوات، حينما أجريت معها لقاء صحفيا للعدد الأول من 
مجلة "السراج"، التي تصدرها جمعية "رسل المستقبل" الشفاعمرية، لأنقل قصة نجاح هذه السيدة، التي أثارت اهتمامي منذ أن قرأت عنها في صحيفة عبرية قبل عدة سنوات، ليعرف الجميع 
عن أي انسانة يجري الحديث.
تعرفت الى السيدة جوليا زهر وعرفت بعض خصالها، عرفت هذه المرأة المكافحة، الصبورة، الصامدة والمنتصرة، وهي لا بد هكذا في المعركة الظالمة الأخيرة التي تتعرض لها من "ذوي القربى". 
وهنا بعض المحطات والتحديات التي تعرضت لها وخرجت منها أكثر صلابة وقوة.
أولى المحن والتحديات وفاة زوجها مبكرا، بعدما أرسى أسس مصنع الطحينة العائلي الصغير في الناصرة، نهضت جوليا من حزنها وتحدت ترملها وانطلقت تواصل مسيرة زوجها بعزيمة 
وإصرار، تغلبت على التحديات وانتصرت على المعيقات وانطلقت على طريق النجاح باسم "طحينة الأرز".
المحنة الثانية، مرحلة التطور والتوسع والرسوخ. خاضت معركة مع ذوي الشأن من أجل تحرير أرض لاقامة مصنع حديث وعصري، في المنطقة الصناعية "تل باروخ" منطقة العفولة. 
حاربت ولم تيأس، صمدت ولم تتراجع، طالبت ولم تتنازل، صممت وحققت الانتصار الثاني. حصلت على أرض بمساحة 5 دونمات شيدت عليها مصنعا حديثا ومتطورا، انه "مصنع طحينة الأرز".
وكان التحدي الثالث الوصول الى القمة. لم تكتف جوليا بما حققته، وكان الطموح بتقديم نوعية مميزة للزبائن من الطحينة، لذا استوردت أحدث الماكينات والآلات، وانتشرت في الأسواق 
الخارجية إضافة الى الداخلية وتحولت الطحينة الى شارة خاصة ومعروفة انها "شارة طحينة الأرز".
التحدي الرابع، كان في الرؤية المجتمعية والوطنية والإنسانية التي تحلت بها السيدة جوليا زهر. حيث ضمت الى طاقم العاملين والمهنيين والموظفين "كل الفئات بصداقة وتعاون وتفاهم". 
لقد اهتمت جوليا بكل فئات الشعب من رجال ونساء ومن كل الأديان والطوائف. هذه هي النظرة الإنسانية المتعالية التي لا يصل اليها الا القليلون من أصحاب النفوس المتواضعة، وبات 
المصنع بيتا لأبناء المجتمع، "مجتمع طحينة الأرز".
التحدي الخامس رؤية أخرى نحو بناء مجتمع عصري وحديث يضاهي المجتمعات العالمية، من خلال نظرة تربوية غير تقليدية تكمن في اقتراح وجيه قدمته من خلال اللقاء بتخصيص حصة 
في مدارسنا لموضوع المبادرات. وبالفعل قامت بعض المدارس بتطبيق هذه الفكرة لنخرج من الاطار التقليدي للتعليم، الى التحليق في سماء الابداع والتجديد. وأثبتت طحينة الأرز انها ليست 
غذاء للجسم بل للروح أيضا وللتربية والابداع، فتحولت الى "حديقة ابداع طحينة الأرز".
والتحدي السادس، ان امرأة عربية ضعيفة كان عليها أن تتحدى الأفكار المسبقة، والعقبات المرسومة في طريقها لتحقيق ذاتها وأفكارها. امرأة كافحت وصمدت ونجحت، وطبقت المقولة التي 
آمنت بها " المجتمع يحترمكِ اذا أثبت نجاحك". وربما هذا النجاح المكتسب وليس المتوارث هو الذي يقضّ مضجع بعض الحاسدين وأصحاب النوايا السيئة، فقاموا باستغلال خطوة خاصة 
بهذه المرأة، ليشنوا حملة ظلامية مسيئة لهم قبل أن تكون مسيئة لمن وجهوا السهام نحوها. لكن امرأة تتسم بالصفات المذكورة وتتمتع بالرؤية الانسانية الواضحة، لا يمكن النيل من قوتها 
وارادتها، ولا شك ستخرج منتصرة كما خرجت في التحديات السابقة معلنة "انتصار طحينة الأرز".

موقع الملتقى غير مسؤول عن المقالات المنشورة التي تعبر عن رأي كاتبها والموقع يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير .

 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع الملتقى بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير نأمل ان تعجبكم